الاثنين، 31 ديسمبر 2012

زنجبيلا





ما زلت أذكر  حين صعد خالي فوق السلم الخشبي ليصل لسطح بيت جدي القديم الصامد المتشقق و ينظر نحوي بأسفل ينتظرني كي أحذو حذوه فما يناله مني غير نظرات خائفة , أخشى المرتفعات دوما أنظر لأسفل 
السلم الضعيف تحت أقدامي ألصغيرة سيهوى بي , كل تلك الهواجس تطاردني و هو يمد يديه ينتظرني أصعد 
- خايف من الطيارات يا خالي 
ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي استيقظنا فيه على صوت الطائرة و هي تسقط فوق بلدة مجاورة و تحطم  إحدى البيوت ،كان صوتها مفزعا بحق
- الطيارة فوق في السما و انت مهما عليت مش هتوصلها 
هكذا قال لي كي يحمسني لكن الخوف من السقوط أعظم من الوقوف على السطح , ثم ما الذي يمكن أن يحتويه سطح بيت قديم و يثير طفلا مثلي ،كلا بلا شك هو يحتوي على أعظم شيء يثير عيون صغيرة أتت للعالم الكبير منذ وقت قصير إنه ( الفضول )
ربما كان بأعلى عالم مختلف ، ما الذي يمنع أن تنمو الرياحين فوق السطح  , بعض الأرانب ذات الوبر الأبيض بالتأكيد تلهو جيئة و ذهابا , أمي كانت تربي الأرانب فوق سطح منزلنا لكن سطح بيتنا له سور يمنع قفز الأرانب بعيدا لذا نسميه (داير)
أما سطح بيت جدي فهو بلا سور , لكنني صغير على فهم كل تلك الحقائق و لا أعلم حقيقة ماذا بأعلى 
- ابعد شوية من تحت السلم 
قالها خالي بلهجة آمرة فما كان مني إلا أن ابتعدت  , و بدأ في إلقاء أشياء من أعلى فكرت قليلا , أستطيع أن أتصور شكل الحياة فوق السطح حين أرى ما يرميه , ستخبرني تلك الأشياء عم إن كان هناك كوخ بأعلى مثل الذي  رأيته في التلفاز في قصة الثعلب و الثلاث خنازير , أم أن جيري الفأر الصغير يتلذذ في الهرب من توم و يختبىء بأحد الشقوق ,كلها أشياء قد تتضح حين أرى ما يلقيه لكنه أمرني ان ابقى بعيدا 
لكن الفضول يقتلني و ما زال خوفي أكبر من فضولي فاستندت إلى الحائط و جلست أراقب الكتل الخشبية القديمة الضخمة لأثاث قد هلك , ما الذي تفعله مثل تلك الأشياء بأعلى, إن مثلها بالتأكيد مكانه في أسفل الأسفلين , كيف تكون هذه الأشياء أول ما تبصره الشمس فوق سطح جدي , راقبت الأخشاب القديمة التي تفوح منها رائحة السنين و تسكنها حشرات تستلهم  من عبقه حياتها و أنا ما زلت مندهشا و ما يزيد فضولي هو لماذا خالي يلقي تلك الأخشاب الآن ؟ هل يئن السطح بما حملوه به؟
أخيرا شرع خالي في الهبوط بواسطة السلم الخشبي العتيق الغير ممهد , ينزل برفق يرى مواضع قدميه درجة بعد أخرى حتى استوى على الأرض , فجمع الأخشاب و بدأ يضعها في (جروانة ) بها بعض الرماد 
و في المساء حين استاءت الشمس من ذنوب العباد التي اقترفوها على ضوئها فانسحبت حتى تمنح في الليل مجالا للتوبة , و لكن ليالي الشتاء الطويلة باردة , و التوبة تحتاج لقلب دافىء 
- كياح  (1) يرقِّد الكلب النباح 
هكذا كانت تقول جدتي دائما و هي ترتدي كل ما أوتيت من ثياب و أسنانها تصطك و بعض الدخان يخرج مع أنفاسها , جلست بجوار الجروانة التي أعدها لها خالي و أوقد النار في الاثاث القديم . 
و جلسنا بجوار المدفأة التي تحمل في أحشائها  ذكريات بيت عتيق , نحرق تلك الذكريات كي ندفأ .
كفوفنا تتكاثر على النار و نعبىء من الدفء غرفا بأيدينا و نشربه , ثم نصنع ذلك الصوت الذي يبعث فينا الدفء حين تحتك أناملنا و أكفنا بعضها ببعض .
أتذكر ما كنا نفعله في المدرسة حين نحك القلم بشعرنا و نقربه من قصاصات الورق فتنجذب إليه , لم أعترف بالنظريات العلمية عن الشحنات الكهربية , كل ما أعرفه أن الاحتكاك يصنع السحر 
أحك يدي بيدي بقوة فتبعث فيَّ الدفء و انظر إلى جدتي التي تسألنا من يريد أن يشرب زنجبيلا  , تضع الكنكة على النار المتقدة من جذوع الأثاث , نراقبها بصمت 
أحتسي جرعة من الزنجبيل فأبعد الكوب عن فمي و أهتف
- مشطشط يا ستي 
- علشان كده بيدفي
أذكر المدرس حين تلا علينا قوله تعالى ( و يسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا ) أخيرا عرفت الزنجبيل لكن كيف يكون الخمر في الجنة مخلوطا بالزنجبيل (المشطشط)  هتفت بجدتي :
- هي الجنة برد جوي يا ستي ؟ بيشربوا ليه هناك زنجبيل 
ضحك خالي و ربتت جدتي على كتفي و قالت لي :
- اشرب بوج تاني منه و هتعرف ليا , استطعمه و هتلاقي حاجة غريبة جواك , الجنزبيل مش بيدفي علشان مشطشط بس لكن بيدفي  برضك علشان بيقدر يوصل لروحك  

-----------------------------------------------------
(1)كياح : شهر كيهك القبطي

الاثنين، 10 ديسمبر 2012

الحي بيتلولو



شايل كاسات دم في عينيه و هو داخل عيادة مكتوب على يافطتها الدكتور فلان العلاني  طبيب نفسية و عصبية  و عمال يتاوب و هو داخل و بيبص في ساعاته اللي عقرب دقايقها كاتم على نفس عقرب ساعاتها  و الاتنين على رقم  ستة  , التمرجي قاعد على مكتبه  و قدامه الكشف
- الضاكتور جه؟
- لسع القطر بتاعه مدخلش البلد
بص صاحبنا حواليه العيادة اللي بتشغي عيانين و لقي كرسي فاضي اترزع عليه و سند راسه على الحيط وراه و كمل نوم علشان كده مشافش الشاب ابو دقن اللي جنبه و هو لما شاف شاب داخل قام وسعله  علشان يقعد و قاله و هو مستغرب
-  ايه ياض اللي جابك هنا؟
- الدنيا
- و إنتا فين في الدنيا؟
- الحي بيتلولو  (جملة بديعة بيها كمية تورية جامدة  الظاهر مادام بيتلولو يبقى المقصود بالحي التعبان , لكن الباطن هو الانسان العايش بيتلولو زي التعبان بين مسالك الدنيا بيحاول ييجي يمين شوية و شمال شوية يمكن تتعدل)
ضحك ابو دقن   و قال
- ليا عاد كده؟ هو لسع المصنع واقف؟
- صاحبه طفش خد فلوسنا و هرب , و حقوقنا ضاعت
- دلوك في ريس حقيقي  و هيرجعلكم حقوقكم
- و النبي اتلهي  , أهو قالك في الهني بتاع المظالم  اللي فتحه ده و قالك اللي معاه شكوة ييجي و أنا اقضيهاله , استلفت قرشين و اتدليت على مصر دعبست لحد لما عرفت اوصل للهني ده و قدمت الشكوة  قالولي تعالى بعد اسبوعين علشان تعرف الرد و اتنيلت رحت تاني بعد اسبوعين
-  طه اومال فيك ايه
- الرد يا ابوخالو انهم قالولي ابعت شكوتك للنيابة
- و فيها إيا عاد ما تروح للنيابة
- يا أبو خالو أنا مقدم كوم شكاوي في النيابة و رافع قضايا و مفيش حاجة بتيجي
- مفيهاش حاجة يا صاحبي بكرة لما نقول نعم للضستور  الوضع يتعدل و حقوقك ترجع
- إنتا قريته ؟
- لاع بس الوضع مبيتعدلش غير ولاد الكلب اللي قارفينا كل يوم مظاهرات يترزعوا في بيوتهم
- الضستور مفيهوش أي حاجة عني و لا أي حاجة تحفظ الناس تبقى زيي , الضستور زي السباك اللي جايبه علشان يركبلك المواسير و يعملك البير لو مكنش معدول من الأول هتلاقيه طافح كل يوم و كل يوم تكسح فيه و ميخلصش قرفه
اللي طلعهم برة الحوار راجل بيزعق في واد صغير بعصبية , كان الواد اللي عنده كهربا حركته كتيرة و لاخمه فزعق فيه
- اترزع هنا جاري  و اتلم
ام الواد خطفت الواد و حطته على رجلها لكن التمرجي بص بصة مش اللي هي للراجل فالراجل اتضايق و زعق في التمرجي
- خبر ايا  الضاكتور اتأخر ليا؟
- القطر !!
- القطر معاده فات
- عمرك شفت قطر بييجي في معاده؟ أ÷وه أكيد على جي
- و لما القطر مبيجيش في معاده جايبينا ليا من الفجور
- مانا مرزوع هنا زيك من الفجور
- الفجور ده إنتا و و ضاكتورك
- تصدق إنتا راجل غلاط و لسانك زفر
الخناقة احتدت أخده واحد من العيانين و طلع بيه برة العيادة قعد على السلم  , واحد عايز يطلع للشقة اللي فوق قاله
- شقلي طريق يا خال
- خبر ايا امحمل اجمال ما تطلع
- طب اصحفلي
-يحرق محرقينك و الله لاسيبهالكم و غاير ع القهوة لحد ما ييجي المحروس
و خد بعضه و نزل
ام الواد الصغير لقيت ست جنبيها و هات يا رغي
- غادي فرح البت رسمية
- هي مش اتجوزت  السنة اللي عدت
- أيوة بس اتطلقت و هتتجوز تاني
- و هتعمل فرح؟
- أيوة اصلها لسع بنت ( و غمزت للست اللي جنبها غمزة ليها مغزاها )
- واه يخيبه , ده حزن و مرار طافح ده راجل جتة بشوفه و هو راجع من الحرجة  سايق البهيمة  شديد و عفي
- سيبك من السيرة اللي زي بعضيها دي أحسن حد يسمعنا
- أحسن برضك امبارح قعدت ساعة مستنية عربية كل عربية تعدي أقوله  كوبري الكلالسة يقولي لاع كنه ساخط على كوبري الكلالسة
- فكرتيني و شيلتني هم الترويحة يلا بس المعدول ياجي
- يا حزني الواد خد النقطتين و نام على حجرك قبل الضكتور ما ياجي
و فجأة دخل تلاتة شايلين راجل كبير يدوب مفتح عينيه و مش قادر يتحرك  الكل قام يوسعله علشان يريح  و ولده راح يحجز من التمرجي
- بقولك رقمك 57
- ياخي انتا مش شايف ابويا 57 ايا؟
- خلاص استئذن من اللي قبلك
قام واحد قاله :
- انتا مبتفهمش دي مش محتاجة إذن من حد حطه اول واحد و اللي مش عاجبه يخبط راسه في حيطة
- طايب بس هقولهم إنك إنتا اللي قلت
- و ماله
عدت ساعة ورا ساعة و ستة و نص بقت عشرة و الناس بتغلي كلام و حكاوي و كله سايب شغله و مستني الدكتور اللي موصلش لحد ما التمرجي  قال بصوت عالي :
- الضكتور اتصل و بيقول إنه  مركبش القطر علشان السكة مقطوعة في بلد الكهربا قاطعة فيها من امبارح
-طاب ماجاش ليا في عربية و ليا متصلش من بدري بدل ما مرزوعين علشانه
بصله التمرجي بصة باردة و كمل كأنه مسمعهوش : كل ياجي ياخد فلوسه
الشاب قال لابو دقن :
- أهو اتفضل يا عم الحاج البلد كلها خربانة و تقولي قول نعم
- ياخي دي ناس بتستعبط مش مقدرين الخدمة اللي خدمهالهم , ده قطعلهم النور علشان ميشفوش الوشوش العكرة بتاعت حريمهم
ضحك الشاب و قاله : شكلك معبي من مرتك
- انا زي الراجل اللي جاب لمرته كل حاجة ايشي بطاطس و ايشي قلقاس و  لو سألتني كم قاسى قلبك ؟فقل قاسى و قل قاسى و قل قاسى (تتقري كده برضه فقلقاسة و قلقاسة و قلقاسة  بمعنى انه كل ما يعاني يشتريلها قلقاس)
ضحكوا الاتنين لحد ما ساخوا على نفسهم من الضحك
و الست ام الواد راخية ودنها معاهم و بعدين سألت اللي جنبها
- هو إيا القلقاس ده يختي؟
- ده الباين كده حاجة زي اللفت  بتتخلل

ناداهم التمرجي  :
- انتي يا حاجة تعالي خدي فلوسك
- مش هنعمل رسم مخ
- لا يا ستي الضكتور مش جاي بس لو عاوزة رايي  خلي الواد بكهربته يمكن لما يكبر ميلاقيش كهربا خالص
- على قولك
الكل مشى و التمرجي قفل العيادة و روح
رجع الراجل العصبي من على القهوة للعيادة مكنش يعرف ان الدكتور مش جاي و اشتغل يخبط على باب العيادة
- افتح يا ضاكتور , افتح يا هليك انتا و هوه , إيا طرش مش سامعين ده كله
و عمال يخبط و يخبط
- طاب رجعولي فلوسي معاوزش اكشف
الغريب ان الراجل اللي طلع السلم في شقته محاولش ينزل يقوله مفيش دكتور و لا حتى حاول يهديه و يقوله روح و انسى

السبت، 8 ديسمبر 2012

إلى عاشقة التجريد (بنت علي) تحديث





( يصفقون
                          و يبكون نشوة بلحني
وانتحب قهرا
                     لعزفي بآخر أوتاري )  
                          
                                     Bent Ali

إلى عاشقة التجريد

التي تعتلي دائما صهوة جوادها تنظر من أعلى نحو الشمس القريبة البعيدة و تحاول أن تتحسسها بأطراف الأنامل إلا أن الأشياء لا تبدو كما نراها , تشعر بالغضب فهي شفافة كأنها خلقت من زجاج , يوحي إليك أنها هشة.
قارورة أنتِ يا عزيزتي  , سهلة الكسر لكن لا ينال من يكسرك سوى الجروح الدامية , في اليوم الواحد تًقتُلين و تُقتَلين أكثر من مائة مرة و في آخر النهار تمتطين  مهرك و تركضين بعيدا نحو الشمس  الغاربة لتصبغين شفقها من دمائك و تبتسمين
هل تعرفين يا عزيزتي شيئا اسمه ( lubricant )  إنه نوع من الدهن يضعونه بين تروس الآلات حتى تلطف من احتكاكها فلا ترتفع حرارتها و تحترق , ذلك الدهن لا يغير من خواص الآلة و لا يحول طبيعتها من حالة لحالة , فقط سيمنعها من إحراق نفسها
ربما تحتاجين يا عزيزتي لذلك الدهن كي لا تؤذي نفسك
حين طلبتِ مني كتابة تلك الرسالة أصابني الفزع و الخوف  , لا أخفيكِ سرا فأنتِ من تلك النفوس التي تعشق التعرية و الحقيقة المجردة دون أي ( lubricant )  تلك الحقائق التي ستؤذيني إن أمعنت فيها أكثر مما ستؤذيكِ , التعمق في بحار النفوس يسوقنا دوما نحو القاع , و في القاع تذوب الجلود و لا تبقى إلا الذوات , فأجد ذاتي أمامي لا ذاتك فتغرقني فيها و أقاسي آلاما مبرحة
تلك الحروف التي أكتبها في رسالتي  بعد إغراقي فيّ  هي نزفي لا نزفك  . أبحث عن روح هشة تقاوم ظلامي حتى أستطيع قرائتك آسف يا عزيزتي كنت أود الحديث أكثر لكنني لا أقوى على الرؤية
أظنني صرت مغترا كثيرا بأن يصير حديثي عن نفسي لا نفسك
اسمحي لي ببرهة  كي  أتمالك ذاتي و يعود لي رشدي و أستطيع أن أميز بين حديثي عني و حديثي عنكِ
سأكرر ما أقوله لنفسي دائما و أقتبسه من رشا عمران " مجرد الطب لا يكفي لطرد عتمتك لذا سأعريك يوما يوما بضوء حقيقتي "
و ننتظر تلك الأضواء الحقيقية  فلا تأتي , مصابيح الشوارع صارت تتلصص و تغرقنا في ظلمة دائمة
الشمس هناك يا وفاء فقط إنتزعيها و ضعيها بصدرك , الحرارة عالية و نحيا دون   (lubricant)
ثانية تصيبني ذاتيتي بالعطب البصري فلا أدري ماذا أرى و لا أعرف عما أتحدث , أتوقف الآن و أتحدث في وقت آخر
جزاكِ الله يا وفاء , لا أدري أشرا أريد بي حين وافقت أن أكتب تلك الرسالة أم أراد بي ربي رشدا  .
عزيزتي التي تخشى فراق الأعزاء بقدر خشيتها من الموت بل هي لا تخاف الموت .فهي تظن أنها دفنت منذ زمن ليس بالقريب متى تعلمين أن القطار لا يقف , يتغير الركاب من محطة لأخرى , يُقَطِّعون  الفؤاد إربا حين يَقطعون تذاكرهم و يمضون مخلفين ورائهم رفاتا تحترق في نهر الجانج كل ليلة بنيران تذاكرهم و تذاكيرهم , و لكن هذا لا يضير سائق القطار الذي لا يتوقف لقراءة الفاتحة بل يمضي ليسمح لآخرين بالهبوط في ممرك
يا سيدتي التعلق  عصفور حبيس في قفص , ينتظر الفتات تغدقه يد الذكرى فيلتهمها كتفاحة سنووايت المسمومة التي  غيبتها ردحا من الزمن لتستيقظ و تجد آخرين , ربما هي كانت محظوظة و وجدت أميرها  و لكن  الأمراء  أُفنوا مع فناء الأساطير  , لذا عليكِ أن تعي الحقيقة , الحياة ليست مباراة ملاكمة تنتهي بالضربة القاضية , تتوالى الضربات القاضية و الفائز هو من يتحمل و يبتسم في النهاية.
سيدتي عاشقة التجريد أعتذر لنفسي قبل أن أعتذر إليكِ على محاولتي لقرائتك و قرائتي , بعض الحروف لا يجب أن تقرأ فيظل سحرها  في وقعها و ترتيبها و لوحتها السيريالية التي تصل قلوبنا دون أن تخدش جلودنا
--------------------------------------------
هذه الرسالة بناء على طلبها و هي تجربة لن تتكرر فلقد عانيت منها
* حدث خطأ بالأمس و أنا أنشرها فأخطأت بنسخ مقطع من رواية كتبتها  و وضعت في التدوينة بطريق الخطأ آسف لذلك

الخميس، 29 نوفمبر 2012

عن سيلكرود



صورة الاكاونت بتاعي كنا اول مرة نواجه الوحش ده كان اسمه seth



silkroad هي لعبة أونلاين كنت أمارسها كثيرا  كما يلعبها كثير من المصريين و قد تعلمت منها الكثير , من فلسفة اللعبة ذاتها و من الأفراد المشاركين من شتى بقاع الأرض  و أكثر ما تعلمته  من فلسفة اللعبة 

لا يوجد union  قوي للأبد فكل ائتلاف (union) هو في الأصل  guilds مفككة و الكل يبحث عن الزعامة و تقوية نفسه حتى لو بخيانة المجموع و ذلك من أجل الاستيلاء على fortress حيث المال الوفير بينما ال fortress امرأة لعوب لا تطيق أن تبقى تحت إمرة رجل واحد للابد , لذلك ان حصلت على القلعة عليك : 
1- عدم الاحتيال او النصب على باقي الائتلاف الذي حماك و ساعدك في الحصول عليها 
2- المحافظة على روح الفريق و لا تنسب الفضل لعبقريتك 
3- كل محاولة طمع ستدفع ثمنها كثيرا
4- محاولة تقوية الائتلاف 
و حتى ان فعلت ذلك لن تستطيع حماية ائتلافك او قلعتك للابد فكل إلى زوال و النفس دائما تسعى خلف الزعامة .
الائتلاف  هو عبارة عن ثماني guilds و ال guild عبارة عن خمسين لاعبا هؤلاء الخمسون أيضا ما يربطهم ببعضهم المصلحة و محاولة تقوية بعضهم بعضا أما الصداقة الحقيقية و اللعب من أجل المتعة فقط و اللعب بنزاهة لا من أجل شهوة الربح يندر و يكاد ينعدم و لكنني وجدته و صنعنا  guild صغير من خمسة أفراد فرنسي و مكسيكية و كندي و أنا و مصري آخر و رغم عددنا القليل لكن اللعب للمتعة فقط صنع لنا شهرة غير أن الاكاونت الخاص بي وصل للمستوى مائة كأول اكاونت في السيرفر كل ذلك جعلنا محط أعين كانت تأتي لنا عروضا من الائتلافات القوية للانضمام معهم و كنا نرفض فقط نحن نلعب للعب بعيدوا عن صراعات اللعبة و السب و اللعن المتوالي , و قبل موعد الصراع على الفورتريس  حدثت مشادات بين قائد احد الائتلافات القوية و كان مصريا و بين زعيم السيرفر المستولي الحالي على القلعة و كان خليجيا  , كنا نتابه بصمت فكنا لا نحترم الاثنين نعلم ان المصري محتال و الخليجي شره يحتمي في قوة الاتراك الكثيرون جدا 
حتى قال الخليجي : أنتم كلكم لصوص و لو أن الحجر الأسود في مصر لتمت سرقته
حينها خرجت من صمتي و قررت تأديب ذلك المأفون , خمسة أكاونتات لا تبلغ من القوة الكثير لكن فقط متفاهمون يقرءون افكار بعضهم رغم انهم لم يعرفوا بعضهم , قررنا المهاجمة مع الائتلاف الذي يتزعمه المصري و لكننا رفضنا الانضمام له لذلك كنا نحن الخمسة في مواجهة الجميع  نهاجم مع المصري لكن يستطيع ان يقتلنا او حتى ان لم يرد قتلنا فضرباته بجوارنا تقتلنا  لذا كنا خمسة في مواجهة ثمانمائة  , لم نكن نريد النصر او الحصول على القلعة كل ما نريده هو اخراج ذلك المأفون و ليربح من يربح
و القلعة لها اسوار عالية و بوابات ثلاث  لذا حين بدأت الحرب لم نهجم مباشرة قررنا التريث حتى تأكدنا ان الائتلاف المهاجم الآخر سيهجم على بوابة واحدة حتى لا يتشتت حينها قررنا مهاجمة بوابة أخرى .
كنا خمسة نضرب البوابة التي ليست عليها حراسة فالجميع المهاجمون و المدافعون يهجمون و يزودون عن بوابة واحدة , لذا كان الأمر أشبه بنزهة , حتى اقتربت البوابة من التحطم حينها انتبهوا لنا , صرخ أحدهم  : البوابة الشرقية تتداعى 
الكل ركض نحونا حدثت خلخلة في الدفاعات صرخ الخليجي : أيها الغبي  إنهم خمسة فقط عودوا الى البوابة الأصلية و ترك  على بوابتنا فقط ثمانية يقاتلوننا 
لكن حين عادوا لبوابتهم الاصلية كانت بدأت في التداعي هي الأخرى 
فتحوا لنا بوابتنا حتى ندخل فيقتلونا ثم يغلقوا الابواب و حين نعود للحياة نعود في الخارج بينما هم يكونون قد اتموا اصلاح البوابة 
لكننا كنا نعرف ذلك , لذا بدأت خطتنا قتلنا حامل مفتاح البوابة ثم اصطدنا الآخرين بسهام من بعيد و قتلوا الثمانية و صارت البوابة مفتوحة لكننا لا نستطيع أن نفعل شيئا في الداخل وحدنا , هدم الابراج يحتاج قوة كبيرة , طلبنا العون من الائتلاف المصري قلنا له ان بوابتنا مفتوحة يستطيع الدخول منها , لكنه رفض و ابى و تركنا وحدنا حتى كسر بوابته ,هذا هو الفارق بين من يخوض مغامرة من أجل المغامرة و من يخوض مغامرة من أجل الظفر  حين تبحث عن النصر عليك التضحية بالاصدقاء لكننا لم نخنه استطعنا ان نخلخلهم من الداخل حتى سقطت البوابة تماما
 و لكنهم لم يتحملوا ضغط الاتراك  فتفرقوا لذا صاح فيهم المصري : لا تعودوا للهجوم فلنجتمع كلنا في نقطة بعيدة 
حين عرفنا ذلك علمنا أنهم تركونا وحدنا خمسة ضد اربعمائة بالطبع كانت النتيجة معروفة لكننا حين خضنا تلك الحرب كنا نعرف أننا سنواجه جيشا لا قبل لنا به لذا صرنا بين كر و فر  نموت و نعود و هكذا , بينما المهاجمون الآخرون لا زالوا بعيدين , طلبنا عونهم ثانية فقالوا لنا : فقط اصمدوا و نحن قادمون
 استطعنا ان نحول نظر الجيش المدافع لنا بينما المهاجمون الآخرون هاجموا الابراج حتى حطموها في النهاية , انهزم المدافعون و انتصر الائتلاف المصري بينما نقرأ الشات ذلك الخليجي يسألنا : فقط خمسة أنتم فقط خمسة , لماذا؟ 
لم نرد عليه فقط ضحكنا
بالطبع شكرنا الائتلاف المصري و لعننا الاتراك استطعنا ان نغير نتيجة معركة فكل ائتلاف هو الى زوالو الفورتريس امرأة لعوب لا ترضى برجل واحد
ما تعلمته أيضا في سيلكرود 
1- اللصوص ليس لديهم ما يخسرونه لذا هم الاغنى , و كي تكون لصا يجب ان تضرب ضربة ساحقة سريعة ثم تركض 
2- حامي القافلة ليس لديه ما يخسره أيضا لكنه يبحث عن الزعامة لذا يجب أن يكون بأربعة أعين 
3- التاجر هو المسكين من يتحمل تكلفة البضاعة لذا هو قلق فالطريق طويل و مرهق  و اللصوص من كل جانب في الطرق المستقيمة يرقبونه و الطرق الملتوية لعبتهم و حامي القافلة في لحظة ما سيتركه فهو ليس لديه ما يخسره 

انها ليست مجرد لعبة  إنها حياة اصدقاء و اعداء , تجار و لصوص . و أفراد من جميع بلدان العالم بمختلف العقائد و الانتماءات و الافكار  و خطط و استرتيجيات , و سياسة و استعراض قوة , و اهم من كل ذلك خيانات و دفع الثمن و القفز فوق الآخرين




الفيديو ده فيه اول fortress war  العبها طبعا مش انا اللي عامل الفيديو بس هتلاقوا الاكاونت بتاعي في اول لقطة كده و هو داخل البوابة اكاونتي اسمه XEOS 



الخميس، 22 نوفمبر 2012

جميلة لولان



مما لا شك فيه أنني أحب ال blogging لذلك كانت هذه المشاركة في الحملة
تلبية لطلب الأصدقاء لكنني لا أثق في نفسي أنه يمكنني أن أكمل فيها 



جميلة لولان





أحياء كمومياوات يبتسمن , تكلامكان تأكلها الجرذان  , فلا تسألني لماذا ابتسم  فكل ما فيَّ أذابه  الوجد و لم يبق من المنية سوى اسنان تصطف في ابتسامة ساخرة
في عهد الخليل كنت جارية لم أشهده يرفع القواعد من البيت ,لأنهم كانوا يمرون بي على طريق الحرير  تطأني أفيالهم و خيولهم , أصرخ بلا جلبة و أصمت بلا روح
"يا جميلة لولان إن الخليل يذبح العجول لا جائع اليوم , هلمي إليه"
لكنني مكبلة في رمل الصحراء المفتتة بأقدام يابسة و عيون شاحبة , قتلوا البراءة  حين دهسوني و رحلوا , حريرهم سلاسل ناعمة تلتف حول أرواحهم أراهم كالموتى يركضون  هربا 
تكلامكان ليست بصحراء , كانت غادة الأراضي أنهارنا جفت حين وفد اللصوص من الجبال
صمتا دعوني استمع لحفيفهم وهم قادمون نحوي يخترقونني  للوصول للحرير 
سادتي اسمعوني انا الشاهدة عبر التاريخ , أنا الحية الأقدم أيها الفانون , لا أتلوى كثعبان أرقط , و لا أبدل جلدي كصحفي أجرب , لذا مثلي يعرف مصيره , كلابهم الجوعى تنهش لحمي ,و أقواسهم تنبت من ضلوعي , و سهامهم لا ترحم ضعفي . سلة القمح تتساقط مني  تتناثر على الأرض فلا تنبت سنابلها 
فالنهر قد جف
"يا جميلة لولان اركضي إلى الخليل  إنه يقري الضيف"
الدماء تروي الأرض الخصبة فتجف  , ضحكاتي في الحانات يردد صداها الزمن , أنا الضاحكة الباكية  أنظر إلى المدى حيث جبال كونلون و أحدث نفسي أن ورائها  سيأتي من يطهرني
حرب اللصوص و التجار لا تنتهي  و الجياد تئن  بما حملت و أنا أصرخ بما أحمل
القز لا يعي الحقيقة , لا يعرف لمن يغزل , لو رآهم  لتوقف عن الغزل , لست أنا ايها القز من سترتدي حريرك , حريرك خيش شائك يدمي من يرتديه و هم يسوقونه عبري من الصين لسمرقند , سمرقند يتحدثون عنها في الحانة ان لها أسوار عالية  و قصور شاهقة , حيث حريرك يفترش الطرقات و هو ملطخ بدمائي و لا تبالي , تمنيت يوما الرحيل إليها لكنني كشجرة عجوز رغم أعوامي الأربعين رسخت في قلب صخرة في الصحراء فتُحدث الريح ان اقتلعيني و ارحلي بي , دون  جدوى فالريح صماء
"يا جميلة لولان اصمتي و اصغي , فالخليل  ينادى في الناس بالحج أن حجي إليه و أنتِ تنتظرين الريح تحملك؟"
أربعون عاما من العذاب ألا تكفي؟ 
أنظر إليكم عبر الدهور كل وجوه الفتيات وجهي , و كل الصحاري غيد بالية , و كل المومياوات يبتسمن لأنهن أحياء

-----------------------
(1)  الصورتان في الاسفل لمومياء جميلة  لولان على اليمين , و في اليسار هي صورة تخيلها لها احد الفنانين بعد ان تأمل المومياء
(2) جميلة لولان : هي فتاة  عاشت في زمن النبي ابراهيم عليه السلام و ماتت و هي في عمر الاربعين و كانت تحيا في المنطقة الشرقية من صحراء تكلامكان و حين وجدوا المومياء كان بجوارها سلة قمح
(3) طريق الحرير هو طريق التجارة الذي يربط بين الصين و أوربا و اشتهر بكثير من الروايات الغريبة عن اللصوص و التجار و هناك لعبة شهيرة اسمها silkroad
 
one of the most famous Tocharian mummies found, the so-called "Beauty of Loulan"; and right, her face as reconstructed by an artist.


“Beauty of Loulan” The oldest mummies found in the Tarim Basin come from Loulan located at the east end of the egg shaped Taklamakan Desert. Dressed only in shades of brown, she was alive as early as 2000 B.C. during the era of Abraham and the patriarchs. She died when she was about 40. Next to her head there is a basket which contains grains of wheat.

المصدر من هنا 

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

عن كل شيء , نوافذ مواربة


هذه التدوينة هي عبارة عن رد تلك الرسالة التي لم أكن أعلم مرسلها الحقيقي و هي  بدورها رد لرسالة  أخرى  إنها لعبة الرسائل التي  أطلقتها الاستاذة لبنى  , و لأنني لم أكن أعلم المرسل فكان خطابي للمؤنث 




عزيزتي الغريبة
يبدو أننا كلنا غرباء في دنيا لا تعترف إلا بالنمطي ,و هو الذي له قلب ينبض صوتا لا فعلا , الأجراس تخرس الآذان , و صوتك أنت يقبع في أعماق البئر , بلا صدى .
تنتظرين يدا تخترق الظلام تمنحك دفئا يزيل الجليد فتتنفسين , أنفاسك يا صديقتي هي تيار حياة جارف يقتلع كل .الحشائش التي تقف في مجراه تقيده 
تنفسي و أخرجي زفراتك الحارة 
النار لا تشتعل في الفراغ هذا ما تعلمناه , و الاختناق عادة سيئة نجيدها جميعا , الصقور في السماء تحلق و الفئران تختفي في جحورها تنتظر انقضاضة لا تعرف مصدرها , فلا تكوني فأرا يرتجف و يخشى الموت , فالموت قادم لا محالة , و عليكِ الاختيار بين موتة طائر و موتة قارض 
القارض نعم ذلك الكائن الذي لا يقرض شعرا و لا يقرض قيده بل يقرض روحه ويظل راضخا في مهانة الحياة 
عزيزتي الغريبة , نحتاج جميعا إلى عملية قلب مفتوح أو زراعة قلب جديد , قلوبنا أضناها كثرة الأنين بلا صوت صارت خرساء رغم الضجيج 
الطبيب استبدل معطفه الأبيض بآخر أسود و استبدل مشرطه بسكين فلا تستبدلي قلبك بحجر 
السعادة يا عزيزتي روح غادرت الحياة ولا تعود إلا من رحم الألم , أتون الحياة المتقد لا يرحم القلوب الضعيفة لكنه يصقلها كالذهب فهل قلبك ذهبي؟
الذهب نار باردة , يظهر بريقا و يخفي أنينا 
عزيزتي , إننا ذهبيون نعشق غموضه البراق نضعه على رقابنا فتتدلى سلاسله إلى قلوبنا فتقيدها بينما تزداد وضائتنا حين تزداد قيودنا

سألتيني عن كل شيء و كل شيء هو قيد , فلنتمرد على القيود يا عزيزتي و لنرحل نحو السماء لنعتصر السحاب و نحتسي ماءا طهورا ونجمع النجمات , و في الشمس نصنع بيتا من نور 
فلنستسلم حد اللامبالاة و لنتعالى عن الألم حد التحليق , نعم التحليق 
فلتحدثيني عن التحليق بلا أجنحة عن بن فرناس , عن فليكس عن القفز من جبل الألم القابع فوق الروح




--------------------------------------------



كالعادة أنا غير محظوظ و يفوتني الكثير لأنني في أقصى الجنوب كم أغبط إخوتي القاهريين أنهم يستطيعون حضور تلك الملتقيات و الاحتفاليات 

موعدكم غدا الاربعاء الحادي و العشرون من نوفمبر  في مركز سعد زغلول الثقافي في تمام السادسة مساء لإطلاق النسخة الاليكترونية من كتاب "نوافذ مواربة" (الاصدار الثاني من كتاب المائة تدوينة ) و هو الكتاب الذي يشترك فيه مئة مدون ينتمون لاثنتي عشرة دولة عربية يشرفني أن أكون واحدا منهم
لمعرفة أكثر من هنـــــــــــا
أتمنى لكم وقتا سعيدا و أتمنى للجميع التوفيق



السبت، 17 نوفمبر 2012

هراء



 سيدتي
لم أكن يوما محسنا , فأنا لا أمنح سوى الفقد
دمائي التي تراق في اليوم مئة مرة تروي الشوارع اليابسة , تخضبها بصدإ لا ينجلي
أقدامهم السائرة على رفاتي و هم يهتفون "عاش البطل القائد الشيخ الفريق المغوار" تُدمَى 
و الصمت لا يُجيب صداه سواي
قلتِ لي : "أكتبني حتى أراك "
فابتسمت ابتسامة لا ترينها , ابتسامة المقبل على الموت , لقد وضعت أطنان الحديد خلف الباب حتى لا ينفتح  و ها أنا افتحه
الأسود يبتلع كل الألوان الزاهية و العدم خلقنا منه و فيه نذوب و الفناء إنسان عشق حد التحلل فماذا يبقى منه؟
عيون تنظر خبايا النفوس إلا نفسها ؟ تجوب الشوارع كي تجد طلسما يُفهمها ماهيتها دون جدوى
 سيدتي
أنا العدم الأسود , طائر بلا ريش  , نهر بلا ماء , و حياة يكسوها الموت
الأحلام لديه شجيرات يابسات  اقتطعها حطاب أعمى  ليشعل نارا تحرق الفؤاد و الأمل لديه ألم و عناء و نافذة يدخل منها ضوء مسموم    يقتله .
سيدتي 
ما أنا إلا هراء

الاثنين، 12 نوفمبر 2012

مربع الظلام (2)




طيلة يومين كاملين و أنا و رأفت في ذلك الحي نبحث عن فتاة تشتهر بالصدق , أجرينا العديد من الحوارات مع ساكني الحي و أصحاب المقاهي و المحلات و الكل كان يصفنا بالجنون و بعضهم كان لا يكف عن السخرية منا قائلين و هل توجد فتيات صادقات في ذلك الزمن , بالتأكيد هناك و قد وجدها رولين و إلا ما كان يبدأ مخططه دون أن يعلم فرائسه جيدا أما في اليوم الثالث جلست أحدث نفسي بصوت عال و رأفت بجواري في السيارة حيث نتفقد الحي 

- جريمة كل أربعة أيام بما يعني أن هناك جريمة ستقع في ذلك الحي اليوم , ستقتل فتاة صادقة في زمن يندر فيه الصدق , سنترال , كورنيش , نادي , مكان عام في ذلك الحي الذي يحتوي على العديد من الأماكن العامة مستشفى , مجالس نيابية , وزارة الصحة , مكتب بريد , متنزه 

هنا صرخ رأفت كمن رأى ثعبانا : 

- يا إلهي كيف نسينا ؟!! نعم , بالتأكيد هي  !!

نظرت نحوه كالأبله أنتظر تفسيره دون أن أتكلم فأكمل 

- هل سمعت عن قضية الفساد في مشروع العلاج على نفقة الدولة و الإتهام الموجه لوزير الصحة بسبب شهادة الموظفة المشرفة على المشروع و رغم تهديدات الوزير و وعيده أصرت على شهادتها و بالرغم من كل ذلك ما زال الوزير قابعا في منصبه و ما زالت القضية أمام المحاكم و لم يبت فيها بحكم , بالتأكيد هي نفس الفتاة التي يقصدها رولين 

انطلقنا بأقصى سرعة نحو وزراة الصحة , و التهمنا سلالمها ركضا نحو مكتب (شادية شوكت ) لم نجدها في مكتبها , سألنا عنها قالوا لنا أنها في ذلك الوقت تذهب لمبنى المجالس الطبية المتخصصة الملحق بالوزارة كي تشرف على استقبال الطلبات بنفسها , لم نتوقف عن الركض حتى وصلنا للمبنى , ما كل ذلك الازدحام ؟ كل هذه الحالات تستحق العلاج على نفقة الدولة؟ كل هؤلاء فقراء؟ 

حاولنا أن نمر خلال الأمواج البشرية كي نرى نافذة تلقي الطلبات , لكنني أبحث عن قاتل خفي و فريسة لم أرها سابقا لكن  رأفت يعرفها من صورها في وسائل الإعلام لذا كنت أنظر إليه انتظر صيحته حتى قالها : 

-ها هي هناك 

رأيتها تقف خلف النافذة الزجاجية تتحدث مع أحد المرضى و تناقشه في أوراقه لكن ما أفزعني أنني رأيت خلفها كائنا هلاميا شفافا يهم بغرس مخالبه في رقبتها ربما أخيرا تحررت عيني من قيد المنطق و أصبحت ترى الخفايا صرخت و أنا أخرج مسدسي : 

- اهربي يا شادية 

ساد الفزع في المكان , المصابون بالمرض و الفقر يصرخون و ينبطحون أرضا و صراخهم لا يصل لمسمع رولين الذي لم يهتم أو ينظر لما يجري حوله و هو يؤدي مهمته , اقترب بمخالبه نحو رقبة شادية بينما انطلقت رصاصاتي في اتجاهه إلا أنها ارتطمت بالحاجز الزجاجي القوي الذي يوقف الفقراء و يفصلهم عن المسئولين دائما , هوى الزجاج و مع الزجاج هوت مخالب رولين لتفجر الدماء من عنق شادية التي سقطت قتيلة في الحال و بلا وعي مني أطلقت رصاصاتي الرصاصة تلو الأخرى نحو قلب رولين الذي سقط ايضا بجوار ضحيته 

** 

- و لماذا لم تنفتح بوابة الظلام بالرغم من قتل الأربع فتيات ؟ 

قلتها لزوليا و باجي و نحن نجلس في غرفة راغب قبل عرضهما اليومي و لكنني لاحظت الحزن و الغضب على ملامح زوليا رغم ان وجهها قناع في حين قال باجي 

- لأنه ليس هناك مربع كامل , فالنور في رءوس المربع يجب أن يكون نورا صافيا , و النور الصافي في عالمكم مستحيل , أصدقك القول لقد قمنا بالقتل كثيرا حين وصلنا إلى هنا و جربنا العديد من المربعات لكنها محاولات باءت بالفشل , الظلام بداخلكم يحميكم لكن يبدو أن رولين لم يصدقنا يبدو أنه رآنا فاشلين لا نعرف كيف ننتقي ضحايانا 

توقف قليلا عن الحديث , حين أتى ذكر ابنه قبل أن يكمل : 

- بعد ذلك قررنا أن نقترب أكثر منكم حتى نفهم حقيقتكم فرأينا بعض ملامح النور في ابتسامة طفل , و رحمة أم اقتربنا أكثر و أكثر بدأ شيء بداخلنا ينبض عرفنا أن لدينا قلوب رغم أننا ننتمي لعالم غريزي , أحببناكم و أردنا أن نسري عنكم لنقلل من تلك الظلمة فتعرفنا على راغب و عملنا معه من أجل إسعادكم , سأقول لك شيئا لا توجد عاطفة بين الأم و ابنها في جيتو فقط الحياة من أجل الحياة , قوانين الغاب هي السيدة الأولى هناك , حين وصلنا للأرض كانت زوليا حاملا في رولين و حين وضعته لمسنا المعنى الحقيقي في أن تكون أبا و أما رعيناه حقا لكننا كنا نراه منعزلا لم يستطع التأقلم مع الأرض رغم أنه لم ير كوكبا غيره قلنا ربما كانت الوحدة , لكننا للأسف لم نستطع أن نمنحه أخا , رولين ليس قاتلا رولين مجرد كائن من جيتو 

هنا دخل عامل المسرح ليذكر الجميع أنه حان موعد العرض 

جلست في مقعدي هذه المرة أشاهد العرض و أتابعه و استمتع به , أرى زوليا التي يتشكل نصفها السفلي الحقيقي المتموه و نصفها العلوي على هيئة شابة فاتنة في حين كان جابي يقف أمامها بنصفه العلوي الحقيقي الشفاف و نصفه السفلي الذي يتشكل في ساقي الفتاة الشابة ليكون مجموعهما فتاة فاتنة تتحرك برشاقة قبل أن تتحرك عصا راغب في الهواء و ينقسم النصفين فيسير جابي بنصفه السفلي إلى اليمين و زوليا بنصفها العلوي إلى اليسار تتراقص اقدام الفتاة وحدها بل ينقلب جابي ويقف على يديه فلا يرى المتفرجين سوى ساقي الفتاة بالأعلى بوضعها المقلوب و تجلس زوليا على الأرض فيرى المتفرجين كأن جسم زوليا شجرة تنبت من الأرض , تغني زوليا و تهبط الدرج و تصافح المتفرجين و يرقص جابي و يرقص , يرقص و ابنه قتل اليوم يرقص ليقتل الحزن بداخله و تغني زوليا و تغني و هي أصبحت وحيدة في ذلك العالم بلا امتداد , يريان أمامهما جثث ضحاياهم و رؤوس مربعاتهم فيزداد الرقص و الدوران إبداعا و يسمعان صراخهم و صيحاتهم الأبدية فيزداد الغناء إصداحا صرت لا أراكما فقط بل صرت أسمعكما في حديثكما الصامت الباكي. 

و أتذكر ما قاله لي جابي أن الظلام بداخلنا يحمينا ربما هذا ما حدث ربما كانت موظفة السنترال غير راضية تماما و بداخلها بعض السخط من طليقها و زرعت ذلك في قلوب ابنائها , و ربما لم تكن الطالبة الجامعية عاشقة حقا بل كانت توهم نفسها بذلك حتى تحيا تلك الحالة و ربما لم تكن عارضة الأزياء ثرية بل كانت تفتقر إلى سها الحقيقية البسيطة بلا مساحيق , و ربما كانت ( شادية) صادقة مع الجميع و كاذبة على نفسها , النور الصاف مستحيل في ذلك العالم فنحن لا نرى الحقائق كاملة بل عيوننا البشرية لا ترى إلا ما تريد أن تراه 

انتزعني من أفكاري التصفيق الملتهب بعد انتهاء العرض و نظرات الاعجاب و الانبهار على عيون المتفرجين بينما أقف أتعجب كيف لا يرى كل هؤلاء زوليا و جابي الحقيقيين و تذكرت أن من رأى درية راضية , نورا عاشقة , سها ثرية , شادية صادقة بالتأكيد لن يرى زوليا و جابي 

أملت رأسي نحو رأفت قائلا : 

- حتى رولين لم ير والديه لو رآهما لعرف كيف يكتمل المربع 

اندهش رأفت و قال لي بتعجب : ماذا تقصد؟ 

- لو رأى رولين والديه حقا لعرف أن أي منهما عبارة عن مربع كامل و لو قتل أحدهما لانفتحت البوابة 

علامات البلاهة على وجه رأفت لم توقفني فأكملت : 

- الرضا و الحب و الثراء و الصدق يتمثلان في كليهما , رضا بالألم لأنهما يشعران أنهما يستحقان ذلك الوجع , الحب الذي يملأ قلبيهما نحو الأرضيين , ثراء الإحساس هو شيء لا يفتقرون إليه , و الصدق في شفافيتهما مع أنفسهما بذلك يكتمل المربع 

- مربع السعادة ؟ 

- كلا ... بل مربع الألم و الندم 

** 

حملتني قدماي إلى منزل والد درية السيد موظفة السنترال , كي أكمل بياناتي في القضية و أغلقها للأبد , قابلت والدها الذي لم يكن بعد أفاق من صدمته في فقدانه لابنته , حدثني عن طفليها أحمد و منار و أكثر ما يقلقه هو يحمله المستقبل لهما , حينها دخل علينا الطفلان يحملان في أيديهما قطعتي شيكولاتة فسألهما جدهما 

- من أين حصلتما عليها ؟ 

قال أحمد في براءة طفولية : هل نسيت يا جدي؟ أنت من أعطيتها لنا بالأمس حين دخلت  و نحن شبه نيام و قبلت جبهتينا و قلت لنا لا تقلقا سأرعاكما للأبد . 

تعجب الجد فهو لا يذكر أنه وضع الشيكولاتة بجواريهما أبدا بل لم يدخل غرفتيهما بالأمس , لكنه توقف عن التفكير في ذلك و قام بتقبيل رأسيهما و أكمل حديثه معي عن درية بينما أنا كنت ابتسم . 

** 

كنت أعلم أن (أمير) عاشق (نورا عماد ) و التي قتلت بين يديه أصيب بصدمة عصبية شديدة حتى أننا لم نستطع أن نأخذ أقواله في حينها لكن الطبيب اليوم أبلغنا أنه اليوم بخير و يستطيع أن يحدثنا لذا ذهبت إليه كي أغلق القضية نهائيا و ما إن جلست بجواره إلا و بدأ الحديث 

- كان محياها كابتسامة الصباح , و قلبها يعشق بجنون لا أدري من الذي يمكن أن يقتل ملكا كريما مثلها , رغم اكتشافها لمرضي في وقت متأخر من علاقتنا لم تتركني , فأنا مريض بسرطان الدم صحيح أنه في مرحلة مبكرة يمكن علاجها لكن لا توجد فتاة تقبل بمثلي , فقط نورا , فهي زهرة أوركيد باهرة كأنها من تلك الباقة التي خلفك و التي أحضرتها هي لي بالأمس 

- الأمس؟ هل كانت هنا؟ 

- نعم أتت بالأمس تحمل لي الزهور و من خلف الزهور بدر منير هو وجهها يبتسم و يقول سأنتظرك هناك و لكن كي أجدك يجب أن تكون سعيدا, أسعد نفسك يا حبيبي ثم قبلت رأسي و قبل أن تغادر أعطتني هذا الخاتم منقوش عليه اسمها و أرتني خاتما يزينه اصبعها منقوش عليه اسمي و قالت سآتي إليك دائما و لن أتركك 

ثم استدرك قائلا : سيدي , نورا لم تُقتل , فالأشباح لا يمنحوننا أشياء مادية هي حية ما بقي ذلك الخاتم مطوقا اصبعي 

** 

في صباح اليوم التالي قرأت خبرا في الصحيفة عن وزير الصحة الذي قرر زيادة ميزانية العلاج على نفقة الدولة , زيادة كبيرة غير متوقعة و وضع ضوابط لضمان وصول تلك الأموال لمستحقيها , و بعد ذلك قام بالذهاب للنائب العام و الاعتراف بفساده في تلك القضية ,بعض الشهود يقولون أنهم رأوه معلقا في الهواء من شرفة مكتبه بالأمس , لكنها شهادات غير أكيدة 

ابتسمت ثانية ثم حدثت نفسي هل يجب على الشعوب الاختفاء حتى يراهم المسئولون؟ سؤال حين جال بخاطري كان كافيا ليقضي على ابتسامتي 

قمت بتصفح باقي صفحات الجريدة انتبهت إلى خبر سرقة رجل الأعمال منصور الدرمللي محتكر صناعة الأسمنت و أحد أكبر الفاسدين في تلك البلد , لقد سرق من خزينته بالأمس عشرة ملايين من الجنيهات , سرقت الخزينة بمفتاحها الأصلي و لا يوجد دليل أو خيط يقود للسارق يبدو أنه خبر عادي لا يتعلق بشيء مما أعرف لكن ما أثار انتباهي خبر صغير جدا في مربع موجود بأطراف الصفحة لم يكن خبرا بل شكر كان نصه 

( جمعية بسمة دامعة و التي أنشأتها الراحلة طيبة الذكر سها الكردي عطر الله ثراها تتوجه بالشكر لذلك المجهول الذي تبرع لجمعيتنا بعشرة ملايين من الجنيهات و لأننا لم نستطع توجيه الشكر لشخصه عيانا رأينا من واجبنا أن نشكره هنا على الملأ و من حقه أن يعرف  الجهات التي سنوجه إليها تبرعاته , فلقد قررت الجمعية توجيه تلك الأموال نحو بعض مراكز تعليم المكفوفين و ذوي الاحتياجات الخاصة الخيرية كما سندعم مراكز الأبحاث العلمية بتلك الأموال فبلا علم لا تقوم الأمم , حفظك الله يا سيدي المجهول و جعلك على طريق الخير دائما ) 


تمت

الأحد، 11 نوفمبر 2012

مربع الظلام










كان راكعا على إحدى ركبتيه , يقتل الأرض بحثا بعينيه عن أي دليل يفشي سر تلك الجريمة التي أودت بحياة صاحبة تلك الجثة الماثلة أمامه , وحين فقد الأمل في إيجاد أي دليل رفع رأسه نحوي قائلا : 

- الجريمة الثالثة بنفس الطريقة يا أشرف و أيضا لا دليل 

- كلا يا رأفت , هذه المرة مختلفة , القتيلة عارضة أزياء معروفة و تشتهر بنشاطها الخيري و المجتمعي , هذه المرة قضية رأي عام 

رفع ( رأفت ) عينيه نحوي في قلق ثم قال : 

- معك حق , في المرتين السابقتين كان تقرير الطب الشرعي يصف الحالة بأن الضحيتين قد قتلا بواسطة أنياب حادة غرست في عنقيهما , و هذا ما ننتظره هذه المرة أيضا بالرغم من أن الحوادث الثلاثة حدثن في أماكن عامة و مناطق  مختلفة إلا أنه لا يوجد شاهد واحد قد رأى أي حيوان مفترس , فقط كانوا يرون الدماء تنفجر من عنق الضحية فجأة 

- دعنا يا صديقي نسترجع الحوادث الثلاث ربما وجدنا رابطا ما , الأولى درية السيد موظفة بالسنترال يصفها أصدقائها و كل رواد السنترال بأنها كانت ذات وجه بشوش يوزع الابتسامات على الجميع , حتى صديقاتها المقربات لا يعرفون من أين كانت تأتي بتلك البشاشة رغم ظروف حياتها المحبطة فهي مطلقة و ترعى طفلين , أما الضحية الثانية نورا عماد طالبة جامعية لا توجد معلومات مهمة عنها سوى أنها كانت تعيش قصة حب جامحة , و هذه المرة الضحية سها الكردي عارضة أزياء قتلت هنا في النادي بينما كان مصورها الخاص يلتقط لها بعض الصور بملابس رياضية ترى ما الرابط بين الثلاثة ؟ 

- لا يوجد رابط يا صديقي بيد أن جميعهن إناث 

قطع حديثنا أحد الجنود حين أتى مسرعا و بيده بعض الصور حيث قال : 

- سيدي , هذه هي الصور الأخيرة التي تم التقاطها للمجني عليها قبل وفاتها بلحظات , الآن فقط وصلوا من المعمل 

تأملت الصور و صرت أقلب فيها , سها الكردي يا لها من ساحرة, حلم آلاف المراهقين , الآن تنام على الثرى , يا ترى كم صورة مثل تلك التي في يدي تزين حوائط و جدران العديد من الغرف , يا ترى كم عين ستبكيكِ يا سها و هي لم تراكِ من قبل , لو لم تحدث الجريمتان السابقتان لتلك الحادثة ربما كان توجه تفكيرنا في إتجاه واحد هو أن مجنونا متيما بها قد قتلها , لكن حادثتين سابقتين تجعلنا نركز أكثر في أن الثلاث حوادث قام بهم سفاح واحد . 

شيء ما في إحدى الصور استدعى انتباهي لأشحذ كل تركيزي و كل ما أوتي بصري من أشعة في محاولة الفهم , هناك شيء ما غريب أشعر به في الصورة لكن لا أراه , كان جزء من الخلفية وراء سها متموجا مبهما.. دققت أكثر.. كأن هناك قطرة ماء فوقه تتشكل على هيئة أصابع تنتهي بمخالب طويلة 

أعطيت الصور ل(رأفت ) كي يتأكد من أن ما أراه حقيقيا و ليس خداع بصري و حين تأكدنا أن هناك أمر غريب 

قلت له: 

- سآخذ الصور و أذهب بها إلى ( حمدي عز الدين ) 

** 

كان ( حمدي عز الدين ) رجلا في منتصف الخمسينات أشيب ربما من أهوال مغامراته ارتشف رشفة من كوب الشاي أمامه و هو ينظر إلى الصورة ثم رفع عينيه في إتجاهي قائلا : 

- هل رأيت الساحر حين يقطع مساعدته إلى نصفين و بعد أن يقطعها نرى وجهها في جانب يبتسم و أصابع أقدامها في جانب آخر تتحرك , ترى كيف يصنع ذلك ؟ 

- أظن أن هناك خدعة ما يقوم بها فيوهمنا بأنه قام ببترها , لكنها بالتأكيد خدعة فأجزائها موضوعة بصناديق سوداء لا ندري كنهها 

- نعم هذا ما يحدث مع جميع الحواة إلا ساحر واحد لا يستعمل تلك الصناديق بل يجعل الجميع يرى الجزئين منفصلين دون خداع إنه ( راغب محفوظ ) يقوم بفصل الجزئين و تجميعهما 

- كيف ذلك ؟ و ما دخله بالجريمة؟ 

- أنت لم تسأل نفسك يا صديقي لماذا التقطت عدسة الكاميرا تلك التموجات بينما لم ير ذلك أي من رواد النادي , لأن العين البشرية لا ترى إلا ما تريد أن تراه , لا ترى إلا ما هو منطقي أما حين ترى ما يخيفها فإنها إما أن تلفظه أو تمنطقه و لولا أن عين الكاميرا جامدة بلا روح لما رأت ذلك , و هذا ما يحدث حين ترى عرضه تجهد نفسك في البحث عن الخدعة دون أن تضع إحتمالية أن هذا يحدث فعلا . ذلك التموه في الصورة أنا أعرفه إنه كائن قادر على الاختفاء و التشكل بأي صورة و هو ما نراه عند راغب الذي يستخدم في عرضه كائنين منهما الأول يتشكل كأنه النصف العلوي و الآخر كأنه النصف السفلي , إن أردت حل هذه القضية اذهب إلى هناك 



** 

وصلنا للمسرح و نحن في عجلة من أمرنا , كان عرض راغب محفوظ على وشك البدء فشاهدناه و هو يقطع الفتاة إلى نصفين دون وجود لأي صندوق يخفي أي شيء , دققت النظر كي أرى التموه الذي يمثل الكائن دون جدوى نظرت أسفل النصف العلوي كي أرى باقي جسد الكائن دون جدوى , محاولاتي للبحث عن حقيقة الكائن قتلت متعتي في مشاهدة العرض بل لا أتذكر أي تفاصيل عنه رغم أنني استمعت للتصفيق الحار للمتفرجين الذي يدل على أن العرض كان مبهرا . 

و حين انتهى العرض ركضنا نحو غرفة ( راغب محفوظ) و قدمنا له أنفسنا و أننا هنا للتحقيق في جريمة قتل ثم عرضنا عليه الصور فنظر إليها ثم صاح : 

- رولين , إنه رولين 

- و من يكون رولين ( هكذا سألته) 

فأشار لي بأصابعه تلك الإشارة التي تعني تمهل ثم نادى قائلا : 

- جابي , زوليا تعاليا من فضلكما 

شعرت بحركة في الهواء لكن عيني لم ترى شيئا ربما ما زالت حبيسة المنطق , ثم بعد الحركة شهقة لا أعلم مصدرها , لا حظ راغب علامات التوتر على ملامحي أنا و رأفت فوجه حديثه لهما قائلا : 

- أعتقد أنه يجب عليكما أن تظهرا 

فتكشفا لنا في صورة فتاة و شاب , ملامحهما باردة لا يبديان أي انطباع فأعدت سؤالي مرة أخرى : 

- من يكون رولين؟ 

لاحظت أنهما يتبادلان النظرات فقال لهما راغب : 

- يجب عليكما أن تقولا الحقيقة فهناك جريمة قتل قد يكون رولين المتسبب فيها

فحسم باجي أمره و هو يقول : 

- حسنا سأخبرك بكل شيء , انا و زوليا ننتمي لكوكب يبعد عن الأرض آلاف السنين الضوئية اسمه جيتو و هو كوكب مظلم شمسه ليست بالقوية و بالرغم من أن أبنائه لديهم قلوب إلا أنهم قساة جبابرة يحيون حياة غريزية , هل تتعجبان لآنني أصف قومي بذلك ؟ ربما لديكما الحق , لكن حين تعلمان عن تلك المهمة التي كلفونا بها ستفهمان ما أقصد ,لقد أرسلونا عبر الفضاء إلى لا هدف فقط نحط بسفينتا على أي كوكب يقابلنا حتى نجد كوكبا به حياة , فتلك السفينة تتحطم حين تخترق مجالا جويا يحتوي على اكسجين و بخار ماء , و نصبح حبيسي الكوكب المجهول و لن ننال حريتنا إلا إذا فتحنا بوابة الظلام او مربع الظلام كما نسميه و من تلك البوابة يدخل قومنا إلينا و يغزون ذلك الكوكب , كانت المشكلة الرئيسية هي طريقة فتح تلك البوابة فهي تختلف من كوكب لآخر ظللنا فترة ليست بالقصيرة ندرس الأرضيين حتى نفهم طلاسم المربع هنا , و أخيرا توصلنا للطلسم و هو إسالة دماء أربع فتيات مختلفات في كل شيء و لا تعرف إحداهن الأخرى لكن يكملن بعضهن بطريقة أو بأخرى , كل واحدة منهن يجب أن تقتل في منطقة مختلفة تمثل رأس من رءوس المربع حتى إن قتل الأربعة خرج من كل موقع للقتل عمود من نور يمثل نورا حقيقيا صافيا للارض , فالبوابة لا تفتح إلا حين يبتلع الظلام نور الكوكب . 

نظرت نحوه كالأبله الذي لا يفهم شيئا قبل أن أقول : 

- أنا لا أفهم شيئا و لكن دعنا من ذلك المربع و أخبرني من يكون رولين؟ 

- إنه ابننا , نعم ابننا فحين قدمنا للأرض كانت زوليا زوجتي حاملا و رزقنا برولين و هو القاتل الذي تبحثون عنه 

قاطعته زوليا صارخة : 

- ابننا ليس قاتلا يا باجي , ابننا كان على الأرض بلا أصدقاء و بلا حياة , هو فقط حاول أن يهرب من ذلك الكوكب الذي لا يرى فيه حقيقته أحد و لم يتقبله فيه أحد 

كنت أتابع ذلك الحديث باهتمام لكنني لم أحب الخوض في عاطفة ام نحو ابنها لذا قررت تغيير دفة الحديث فقلت : 

- ما فهمته عن نظرية المربع أنه يجب قتل أربعة إناث , و رولين لم يقتل سوى ثلاث 

لاحظت زوليا أنني غيرت مجرى الحديث و أرادت أن تكون عملية أكثر فقالت : 

- هو يسعى خلف الرابعة 

- و من تكون ؟ 

- لا أدري , لكن إن أخبرتني عن مجريات باقي الحوادث و أماكنهن ربما أفدتك 

أخرجت لها خريطة للمدينة ثم أحدثت علامات في أماكن الحوادث , فقالت و هي تشير إلى مكان على الخريطة أن الجريمة الرابعة ستحدث في ذلك الحي لأنثى 

- هناك يوجد آلاف الفتيات كيف أعرف من يقصدها رولين؟ 

- كي يكتمل المربع يجب أن يكون هناك رابطا بين أضلاعه شيء ما يربط الجميع فأخبروني عن الثلاث ضحايا 

- الأولى موظفة في سنترال فقيرة و مطلقة و تعول طفلين لكنها كانت بشوشة دائما , الثانية طالبة جامعية عاشقة حتى الثمالة و الثالثة عارضة أزياء ثرية و مشهورة و كان لها نشاط خيري مجتمعي على نحو كبير 

- اذاً هو مربع السعادة ( الرضا و الحب و الثراء ) لكن ينقصه ضلع آخر هو الصدق 

- الصدق؟ الصدق لا يأتي للانسان بالسعادة بل يجلب عليه الهم 

- بدون صدق مع نفسك و مع غيرك فأنت تحيا سعادة وهمية , ابحثوا عن فتاة صادقة في ذلك الحي 

- إنه أمر يشبه البحث عن إبرة داخل كومة من القش , لكن كيف يجتمع الرضا و الثراء في مربع واحد 

- لأنها السعادة يا هذا فهي تجمع المتضادات و الثري الراضي هو السعيد الحق أما الفقير الراضي فهو من يقنع نفسه بأنه سعيد , صدقني الثري الراضي عملة نادرة و تكاد تكون مستحيلة 

أومأت برأسي إشارة إلى أنني فهمت ما تقصد ثم توجهت نحوها بسؤال آخر 

- قلتِ أنه اختار مربع السعادة فهل هناك مربعات أخرى 

- نعم هناك مربعات كثيرة مثلا مربع الابداع ( ذوق , حلم , صدق , حب) و مربع الأمومة ( تضحية , رحمة , رضا , حب) 

- أرى أن الحب يتكرر في جميع المربعات 

- نعم فما اكتشفناه أنا و باجي أن الحب هو كلمة السر التي تصنع أي مربع في كوكبكم 

- عندي سؤالين آخرين لماذا يقتل رولين ضحاياه في أماكن عامة , و لماذا كلهن فتيات؟ 

- أما عن الأماكن العامة فأعتقد أنه نوع من التحدي للبشر و إثارة الفزع و الهلع في قلوبهم أما عن الفتيات لأننا اكتشفنا أن الفتيات تظهر عليهن الصفات أكثر فيكون من السهل اختيار رءوس المربع منهن , كفى ثرثرة يا هذا و عليك البحث عن رولين و الفتاة الصادقة سريعا هيا لا تضيعوا الوقت و أعد إليّ ابني


يتبع 

الخميس، 18 أكتوبر 2012

قرص شمسي




يبدأ أسبوعها حين ينتهي الخبز, تقف بين يدي ربها تصلي عشاء الجمعة في خشوع سائلة إياه أن يمنحها القوة غدا ,  تخرج الدقيق من جواله و تضعه في المنخل و تهزه برفق في البداية ثم لا تلبث أن تهزه بقوة أكبر حتى ينفصل المسحوق الأبيض أسفل  المنخل بينما تقبع الردة داخله  و تقوم من ليلتها لتصنع العصيدة التي ستكون نواة العجين غدا.
  و أخيرا تلقي رأسها على الوسادة الخشنة التي غادرها القطن من فم صنعه الزمن  و ابتلعها فنامت كطفل بريء لمن يراها و لكنها عجوز بائس  غادرها الحلم و غادرتها الكوابيس
و قبل أن يصيح الديك ليوقظ الموتى كانت هي أمام إنائها الفخاري الضخم  ترُب عجينها تضربه بقوة بكلتا يديها الخائضتين فيه حتى الكوعين ,كلما رفعت يديها شدها العجين للأسفل فتعود و تضربه هكذا ضربات متوالية حتى امتزج ,  تتجه نحو الفرن الطينية ذات التجويف الأمامي الذي تضع منه الأرغفة و الكوة الجانبية التي تضع فيها الأوراق و مخلفات الأخشاب و الأنعام (تسميه وقيد ) ثم تشعل عود الثقاب و تلقيه داخل الكوة تتعالى ألسنة اللهب و يتصاعد الدخان حتى يصل لعينيها فتتساقط دموعها على العجين بينما يديها تمسكه و تضعه على هيئة دوائر مصمتة فوق الأطباق الطينية  التي افترشتها بالردة .
الشمس الآن استيقظت من سباتها و تستعد للعمل عليها الآن تخمير محصولها  , تنظر إلى السماء في قلق و تسألها أن تكون رحيمة و لا تصنع غيوما هذا الصباح , كم هي شاقة عملية الخبز في  الصيف تواجه حرارة الفرن و في الشتاء تقاتل الغيوم
تسند ظهرها إلى الجدار و هي تراقب عجينها ينمو و ينتفخ رويدا رويدا و ما إن يكتمل تخميره حتى تنزغه بإبرة على أطرافه الدائرية ,تلك الإبرة هي ما تعطيه ملامحه الحقيقية و تلقيه داخل الآتون المشتعل بواسطة عصا طويلة تنتهي بقرص خشبي تضع عليه رغيفها النيء
تنتظر بجوار فرنها الحبيب الذي كان ابنها الأكبر يريد أن يهدمه و  تعيش فقط على التهام الخبز الذي يباع في مخابز المدينة , لكنها نهرته و قاتلته , هو يشفق عليها من نوائب العمر و لفحات اللهب و هي تؤمن أن الخبز لا يكون خبزا إلا حين يمتزج بالطين .
العجين داخل الفرن يتغير لونه ,النار تصبغه لونا ذهبيا , تخرج رغيفا بواسطة عصاها تقلبه , فتجده لا يحقق طموحها من اللون الذي تريده فتعيده إلى الفرن و هكذا تعيد الكرة كفتاة عشرينية تقتلها الحيرة في اختيار صبغة شعر
حفيدتها التي أصرت على المبيت ليلتها معها ما ان استيقظت حتى ركضت نحو جدتها تجلس تحت قدميها تنظر إليها بلهفة و تمني نفسها بجائزة فتبتسم لها الجدة ابتسامة مطمئنة ابتسامة قادمة من أعوام مضت و لم تجف فتدب في الصبية البهجة  , ينادي الظهر مؤذنا أن الشمس صارت فوق الرءوس فتخرج رغيفا آخر تقلبه و تشعر أخيرا بالرضا
تمد عصاها لداخل تجويف الفرن و تخرج رغيفا صغيرا  في حجم كف اليد (تسميه قرصا ) اعتادت كل اسبوع أن تصنع مثله لحفيدتها , وضعته أمام الصغيرة التي اغرورقت عيناها بالفرحة فمدت يديها نحو كتف جدتها تجذبه من ردائها الأسود في لون السنين حتى دنت برأسها للصغيرة التي طبعت على وجنتها اليابسة بقبلة رقيقة بينما صوتها الطفولي يقول : " بحبك  جوي يا ستي "
حينها رفعت عينيها إلى السماء تدعو الله أن يمد اجلها للسبت القادم كي تصنع قرص خبز آخر يتحدى الشمس

السبت، 13 أكتوبر 2012

عن الخروج




سألتني صديقتي عن الخروج , و أنا أعرف طريقه لكنني لا أجيد السير فيه, فليست كل القلوب تقوى و ليست كل الاقدام تتحمل 
الخروج يا عزيزتي أن تهيئي لنفسك طقس الاعتزال  ( إعداد كوب من عصير الليمون الممزوج بورقة من النعناع تطفو كأنها قارب يحملك إلى هناك , تغرق  بعد إضافة قطعتين من السكر المحلى بروحك , ضعي الوسادة رأسيا على المهد   و إلقاء رأسك للخلف  حتى يسقط منها كل شيء و لا يتبقى فيها إلا هواء) 
أغمضي جفنيكِ ماذا ترين؟
ظلام؟ حسنا امنحي الظلام ضوءا 
كوني أنتِ ( أليس ) و امنحي حلمك حياة , أخرجي من جحرك المسحور إلى الجانب الآخر منكِ ,أمسكي فرشاتك بداخلك و أرسمي  يا عزيزتي  غابة غناء كرتونية , غزالة تتراقص و ما إن تراكِ تبتسم , عيون واسعة بين الحشائش تنظر في ترقب  تخاف أن تطئيها , و أرنب صغير يتمسح في قدميكِ يصر أن يكون دليلك ليمنحكِ الطريق 
كلا أنتِ لا تحتاجين لمن يرشدك فلتمحينه من اللوحة  . دعي مصيرك لمصيرك وامضِ في سبيلك  
سور كبير يحول عن قصر ضخم و فوق السور هناك بيضة ليس فيها فرخ  , لن تفقس تلك البيضة يوما لكنها ترتدي زيا  داكنا و تترنح فوق السور  (هانتي دانتي ) هكذا أسميتيها , تناديكِ بتوسل كي تنقذيها بينما مظهرها المضحك يجذبكِ أكثر , ذكرياتك الحزينة لا تحمل أفراخا للفقس ربما الأجدر أن تدعيه يسقط و أكملي طريقك 

أرنب آخر على الطريق لكنه أكثر ضخامة يتدلى من جيبه منبها ضخما يشبه  تلك الساعة التي تكبل رسغك و تذكرك دوما بأنكِ سجينة الزمن, يركض مسرعا حولك دون أن ينظر إليك و هو يمضي بعيدا و يعود كل حين , التوتر الذي يحدثه بداخلك يمنعك من الاستمتاع فلتزيلينه أيضا من الصورة 
و امضِ نحو خيالك نحو القصر الضخم إلى أميرة القلوب الشريرة التي تستعبد القلوب و تكبلها امحيها أيضا و ارتدي قلبك الذي استخلصتيه منها و افتحيه فتسقط منه قطرات حمراء تبلل الأرض فتنمو منها شجرة تفاح تكبر و تكبر و تكبر فيستظل أسفلها نيوتن لتسقط فوق رأسه تفاحة فيتغلف وجهه بتعبير مضحك من عدم الفهم فتضحكين كيف لا يعرف ؟
لكنك أيضا لا تعرفين  و لماذا نريد أن نعرف , فلتمحينه من اللوحة 
و لكن لماذا يسقط التفاح على الأرض فليسقط إلى السماء, و لتعيدي رسم الشجرة لتكن جذورها نابعة من السماء و أنتِ أعلاها على الأرض  , تمدين يديكِ لتقطفي تفاحة قبل أن تسقط على السماء ثم تتذكرين سؤالا  كيف تحيا شجرتك بلا ماء و جذورها النابعة من السماء لا يسقط عليها المطر فتفعلين الصواب تعيدين رسم نفسك لتكونين سحابة على الأرض تمطر السماء 
هكذا هو الخروج يا صديقتي , إن توصلتِ إلى تلك الطريقة لمحو ذاتك و لتصبحين سحابة فأخبريني فلقد أضناني السهر على البحث

الخميس، 27 سبتمبر 2012

النداهة



اخترق صوتها العدم ,أتاني من جانب الفراغ بداخلي حيث هوة الصمت السحيق
(  استسلم , أنت محاصر , أسلحتي  موجهة إلى قلبك
 لا سبيل للمقاومة ففؤادك صار يسبح باسمي
 أنا وتد قيدك مهما انطلقت ستعود إليّ ,  أنا شمسك و كتب عليك ألا يطول ليلك بدوني
 ألق نفسك في البحر سأحملك إلى شاطئي
 فقط استسلم لي )
ركضت في البادية هربا , أجبرت القلب على صمت نبضاته كي لا اسمعها , كدت أموت  , ترنحت ,سقطت مغشيا عليّ , لا أرى سواها , فمرت بعض  السيارة ليطببوني و يدلوا دلوهم ليتعلق به الغريق فسألوني  عن اسمي
فلم ينطق اللسان سوى (هي)
- ممن تهرب ؟
- منها
-  بمن تلوذ ؟
-  بها
الحيرة تتساقط على وجوههم كمطر جليدي في يوم صائف حَروري  و لا يعرفون ما يفعلون سوى الصمت فيتردد صداها في نفسي
( أن استسلم )
جنية في صورة إنسية , حورية في هيئة شيطانية
هي صارت أنا ,و أنا صرت منها , و لا أراها , فكيف للمحاط أن يرى محيطه و كيف للمكبل أن يرى سلاسل يده  المضمومة خلف جذعه
(فقط استسلم) 
هكذا صوتها يردد دائما و أذني لا تقوى على المنع
قلت لها : و هل ان استسلمت  سأجدني؟
قالت لي : فقط إن نجوت من الغرق فيّ

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

جزء من روايتي جوهار صقلي ( قيد الكتابة )




حين غادرت بالأمس لم أطلب منك غلق الباب خلفك فتركته مواربا يتسلل منه طيفك بين الحين و الآخر مصطحبا معه آسلحتك , متى تعلمت القتل يا ماركو , هل نسيتني ؟ تلك الفتاة سمراء الشعر  التي تصنع من جدائلها حبائلا يتعلق بها الرجال فتقص أطرافها  ليتساقطوا من علٍ هي نفسها تلك الفتاة التي صنعت من  أحلامها طيورا تتخذ من قلبك أعشاشها , فهجرت أنت و هاجرت طيورها في الشتاء القارس صارت وحيدة منكفئة  على وجهها في الوحل تنتظرك كي تغتسل فيك , لكنك لا تأتي ابدا و تظل هي مدنسة كتلك الأميرة التي طعمت تفاحة السم فنامت تنتظر فارسها , لكن النوم لا يأتيني  و يبدو أنك لست فارسي , الأقدار لا تفرق بين حبيبين إلا إن كاناغير ممتلئين ببعضيهما , أوه  في طريقي للكفر بك
تلك الطائرات التي تحلق في السماء تكشف عن بطونها الموت و تحمل  على جناحيها اليأس في الحياة صارت مثلك كلما غزوتني , مارسيليا ليست مثلي  فمرساها هادىء  و الريفيرا يعانقها بحنان كما كنت تفعل في الماضي , كل شيء يذكرني بك كلما أردت الفرار يبدو ألا ملجأ منك , حتى ريمون يحملني إليك كلما نظرت لعينيه .
لا يمكن لصقلية مثلي  أن تحيا هنا , صقلية عاشت عمرها هاربة تنتقل بين الجدران البائسة التي تحمل بداخلها قلوبا  وجلة , و جيوفاني في قصره يربت على رأس كلبه الذي يرغي بالأكاذيب  فيصدقها فيطلق وحوشه الضارية تنهش لحوما طرية لم تستطع الحياة أن تمنحها القوة, الرحمة  كلمة لا تعني شيئا و أنت صرت مثلهم صقلي  يعشق اللحم يتلذذ كلما غزت أطيافه خلوتي و لا يتركني خلفه سوى بقايا جثة محترقة 
أتدري فيما أفكر الآن أيها البحر ؟ أفكر أن ألقي بنفسي بين ذراعيك و أمنحك قبلة أَضع فيها كل آلامي لتعلم ما صنعته بي  , و لتتعذب معي نعم أيها البحر  أطفىء ناري و اشتعالي   أو أعيدني إليه   

ضمت رسالتها إلى قلبها  ثم  بللتها بدموعها    قبل أن تغلق عليها الزجاجة فتظل كلماتها حبيسة الجدران الشفافة وتلقيها إلى ملح البحر الذي ربما يمنح مرارتها  بعض المواساة , و هي على صخرتها تراقب الزجاجة تقاوم الموج و لم تدري بنفسها إلا و هي تقفز في البحر كي يبلل الملح عيونها فيحرقها و يعطيها سببا للبكاء , لكن الملح لم يكن هو الشيء الوحيد الذائب في البحر كانت هناك كلمات و أشواق و أحلام تحملها رسائل عديدة تكسرت جدرانها فأذابت البحر في مرارتها و علمت جينا أنه حتى البحر لن يوصلها إليه 


(مقتطف من روايتي جوهار صقلي ).... رواية يبدو أنها لن تكتمل

السبت، 22 سبتمبر 2012

جامعة الأرواح








ما بالي أترنح كلما دنت مني كأنني شجرة صنوبر صلبة هزتها ريح عاتية , تسقط مني ذاتيتي تحت قدميها كثمرة مرت عليها مواسم شتاء متوالية فعطبت .
تبتسم فيحل ربيع آذاري يغزو كانون و ترقد الحياة ساكنة إلا من حفيف أنفاسها .
استسلمت ماديتي ففنيت و انطلقت مني روحي لعينيها , فضحكت ضحكة ظافر و مضت بعيدا مخلفة دمارا يضاهي خريف أيلولي يدحر صيف تموز و تتوقف ساعة الشمس عند عاصفة حمراء تغشي ما تبقى مني و لم يتبق مني إلا أشلاء