السبت، 8 مارس 2014

جيدالا (3) الأخير




أغلق عينيه كي تتوقف المشاهد المتلاحقة و تخلف في عقلي الكثير و الكثير من التساؤلات انهم ليسوا بسارقين فقط كما ظننت بل هم أيضا قتلة أتوا ليبيدوا البشر تحت شعار البقاء للأقوى ويتهمونا نحن بالهمجية يا لهم من أوغاد أما عن جيدالا فكان لغزا لم أفهمه وهو أكثر ما يثير دهشتي كيف لوغد مثل ذلك الكائن ان يحمل كل تلك المشاعر .
زخات المطر تزداد يبدو أنها ليلة عاصفة كيف ذلك , والسماء كانت صافية منذ فترة وجيزة أشياء كثيرة تثير دهشتي ذلك المساء, لكن أكثر ما فاجئني هو ان سيدروك انطلق يعدو نحو باب الكامب في ذلك الجو الممطر 
لم أفهم لبرهة لماذا يفعل ذلك الى ان توصلت الى الحقيقة ان مداعبته للأزرار لم تكن الا لإستثارة المطر من مخازنهم التي يحتفظون فيها بالبخار, الآن هو يرد للأرض ما سلبه منها , لكنه لا يرد فقط ما سرق بل انه يفعل شيئا أكثر حماقة .....
إنه ينتحر !


ركضت خلفه أحاول ايقافه هتفت به أن يتوقف لكنه لم يستمع اليَّ , أراه واقفا بين السماء والأرض ينظر في اتجاه الشرق يخاطب أحدا لا أراه و هو مبتسم : - جيدالا ... أيتها الشمس الغاربة عن جسد معلق بين السماء والأرض 
جيدالا ... يا من حملت السعادة بكفيها ورحلت عن جسد لا يعرف معنى الفناء 
جيدالا ... أيتها الحياة الأبدية أما آن لشمسك الزرقاء أن تشرق من جديد 
كنت أهتف فيه وأحاول ان أثنيه عما يفعل دون جدوى 
فقط ابتسامته تزداد اتساعا يمد يديه للأمام كأنه يحتضن شخصا ما بينما ألاحظ الإرهاق والألم على ملامحه 
- جيدالا .... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 
وصمت سيدروك 
صمت للأبد 
صمت فقط لكن لم يسقط فجاذبية الأرض أضعف من جاذبية جيدالا التي تحمله بين ذراعيها هذا ما يوحي به انعقاد ذراعيه على جسد ليس له وجود ... مات سيدروك واقفا وسيظل واقفا ما بقي الخلود لن تحويه أرض ولن يلمس أبدا السماء روح حوت النقائض فلا تصعد للسماء ولا تطمث في الأرض .
ظللت أراقبه تحت الأمطار قليلا في منظره المهيب بوجهه الأزرق المشوه من جراء الحروق بعد أن ذاب عنه قناعه البشري المخادع 
وأخيرا استطعت أن أجر أقدامي إلى الكامب مرة أخرى لأقف أمام الجهاز لأرسل رسالة أخيرة منه كما تعلمت من سيدروك 
كتبت فيها :- التجربة فشلت فجوف الأرض ليس جافا كما ظننا, بل يحمل أضعاف اضعاف ما يظهره سطحه ... لا تنتظروا عودتي فأنا أحتضر ... وصيتي لكم ابحثوا عن كوكب آخر لا تؤذوا فيه أحدا 
وقبل أن أغلق الأجهزة كلها نظرت إلى الشاشة لأرى سوسن تقف بجوار نافذتها تراقب المطر وعيونها أكثر إمطارا من السماء وقلبها أكثر ضجيجا من الرعد بينما ترفع يديها للسماء قائلة : أعده لي يا الله .... أعده لي 
راقبتها ودموعي تترقرق قبل أن أغلق الأجهزة كلها لتعود الأرض من جديد لما كانت عليه قبل تلك التجارب الغريبة ... ربما لم ينته الاحتباس الحراري و ربما سترتفع حرارة الأرض مرة أخرى لكن الآن أشعر أنني أنقذتها 
***
جيدالا ... يا زهرة أينعت في غير موسمها فأنتِ زهرة كل المواسم 
جيدالا .... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا


***
بدأت البحث عن المخيم كي أجد صديقي محسن نائما فأيقظته لم يتذكر أي شيء مما حدث له ولي لم يتذكر سيدروك واتباعه بل لم يتذكر نظراته ولم أجد في نفسي القدرة أن أقص عليه أي شيء , فلقد كنت أريد العودة سريعا 
تعجب محسن من إصراري على العودة لكنه لم يعارضني وعدنا أدراجنا الى المدينة 
لم أذهب الى المنزل مباشرة كنت أريد أن أشتري هدية لسوسن , قمت بشراء بوكيه ورد بديع المنظر وركضت نحو المنزل يسابقني قلبي قبل أشواقي , تفاجئت سوسن بعودتي قبل ميعادي بأربعة أيام بينما لم أتفاجىء بحالتها المزرية من بكاء ووحشة أكثر من ثلاثة أيام ...
الآن يا معشوقتي آن لدموعك أن تنتهي وآن للسعادة ان ترى بيتنا الصغير .
ابتسمت واقتربت منها حاملا الزهور, بينما هي ازدادت دهشة فلم تلحظ أبدا مني ذلك الجانب الرومانسي في الفترة الأخيرة 
قالت لي : ما اسم تلك الأزهار ؟ 
-ربما كان اسمها جالو 
- جالو؟ ما ذلك الإسم الغريب لا أعرف أزهارا تدعى كذلك , و أنا التي كنت أظنني خبيرة في عالم الأزهار 
- بل أنتِ خبيرة حقا في عالم الأزهار يا حبيبتي فأنتِ من تمنحينها الندى , و أنا الذي لا أدري ما اسم تلك الأزهار لكنها بالتأكيد ليست سوسن 
- ولماذا لم تأتِ بسوسن
-بل أتيت بها 
أمسكتُ أناملها بأناملي وحين تعانقت الأنامل شعرت كأن الحرارة والأمن تنتقل من اصابعها إليَّ كأنني طفل صغير ينتظر لمسة أمه قبل أن أضع أصابعها على موضع قلبي وأقول : سوسن هنا 
وتعالت ضحكاتنا طويلا جدا. 

***

جيدالا ... أيتها الحسناء أخبريني كيف تتلاقى الأرواح في أجساد أبلتها الحياة 
جيدالا ... يا من حملتِ أسرار العشق ورحلت بعيدا الى كوكب آخر بحثت عنك في كل الكواكب حتى وجدتك
جيدالا ... أكثر ما أعانيه الآن هو أن جسدي معلق تظله سماء غير سمائك داخل كوكب غير كوكبك

جيدالا ... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا

الجمعة، 7 مارس 2014

جيدالا (2)




في تلك الليلة كان القمر ساطعا لتتناثر أشعته على رمال الصحراء فتعكس ما بداخلها من روعة , كأنها تستجدينا كي نستكشف أماكن جديدة في الصحراء المترامية , لذلك تركنا أقدامنا تقودنا إلى لا شيء فقط نسير وننظر حولنا حتى رأينا كأن مشاعل نور على مرمى بصرنا , فقررنا الاقتراب قليلا ولا ندري لماذا قررنا ان نقترب خلسة ربما لأن ذلك المشهد غريب , و ربما هي غريزة الحذر التي بداخل كل انسان لم نقف طويلا عند تفسير ذلك الحذر لكننا اقتربنا ببطء و خلسة لنرى المشهد المهيب ,عشرات من الرجال يجلسون راكعين على أقدامهم وسيارات عديدة في ذلك المكان الخالي من البشر و بينما نمعن النظر رأيناه ليزيد ما بداخلنا من خوف وهلع . كان رجلا مهيبا حاد الملامح , لم يكن ذلك ليرعبنا , لكن ما أرعبنا حقا انه كان يمشي في الهواء فوق الرءوس دون أن يلمسها لم ينجذب قط للأرض كأنه مخلوق من الهيليوم . كان صوته عاليا وهو يخطب في الجمع , كان يقول : 
- حين يخرج السيد من مكمنه فعلى الجميع الانحناء , فالسيد هو الوحيد القادر على المرور فوق الرءوس دون أن يصيبها . السيد هو الوحيد المتحرر في ذلك الكوكب من قيوده الحمقاء . من يستطيع أن يرفع عينيه عاليا في حضرة السيد 
يهتف الجميع : لا أحد 
- من يستطيع ان يعصي أمرا للسيد 
- لا أحد 
- من يستطيع أن يلمس السحاب بأنامله ويمسك بطيور السماء غير السيد 
- لا أحد 
إن أردتم التحرر من كل قيد فعليكم اتباع السيد , وأن تنفذوا ما يأمركم به فهو يعلم جيدا كيف يمكن أن يجعل لحياتكم مسارا أفضل 
- سمعا وطاعة أيها السيد 
كانت نظراتي المرتعبة تراقب المشهد , وتنظر بين الحين والآخر لمحسن الذي لم يكن أقل مني ذهولا و رعبا , وهو يشاهد ذلك الشخص الذي تحدى الطبيعة ولم ينجذب للأرض وكيف أن أتباعه ينفذون كل ما يقول دون تفكير . في لحظة ما قررنا الفرار من حالة الرعب, والركض نحو مخيمنا قبل ان ينكشف أمرنا لكننا وجدناه يقف أمامنا , وربما فوقنا إذا جاز التعبير فهو أمامنا لكن أقدامه ليست على الأرض كأنه معلق بين السماء والأرض 


***
جيدالا .... ما أروعك , حين كنتِ تطهين جذور المالينجا كنتِ تقطعينها برشاقة روسانجو يافعة , فتنساب من بين أصابعك الحياة لتختلط روحك الوضاءة بالمالينجا , كي تصبح وجبة نورانية تحمل طعم الفردوس و عبق الخلود


جيدالا ... ستظلين خالدة ما بقي الخلود 
جيدالا .... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 
***
كان ذلك الشخص ينظر لمحسن نظرة عميقة أحسست بذلك حين رأيت محسن يتساقط على ركبتيه قائلا : 
- طوع أمرك أيها السيد 
محسن في لحظة واحدة فقد عقله و أصبح مسلوب الإرادة كأنه تحت تأثير التنويم المغناطيسي . ذلك الخاطر حين جال بي قررت ألا انظر لعيني ذلك الكائن أبدا.. كاد الفضول يقتلني كي أعرف ماذا تخبىء تلك العينين , وأي بئر سحيق تحوي , لكن خوفي ورعبي كانا أكبر من فضولي 
- أتدري أنك أول كائن على ذلك الكوكب قرر مقاومتي (هكذا قال السيد)
- بل قل الأكثر جبنا , فأنا الوحيد الذي يخاف ما يقع خلف عينيك 
ضحك الكائن بسخرية قاتلة 
- يبدو انني سأستمتع كثيرا بروحك المرحة, لذلك سأعفيك ان تكون من أتباعي ربما ذلك جيد بالنسبة لك وربما ليس جيدا , ففي النهاية يجب ان أقتلك ان لم تكن تابعي . أجبته وانا أنظر لأسفل أتجنب النظر إليه : 
- لن يفرق كثيرا القتل عن اتباعك , بل انني أفضل أن أموت على ان أكون خاضعا لمخلوق لا أدري مايخفيه 
بعد جملتي هذه لم أشعر بشيء فقط سقطت فاقدا للوعي اثر ضربة على رأسي 
فتحت عيني لأجد نفسي وأنا لست مقيدا في قاعة ضخمة تحوي 
أجهزة عديدة و شاشات ضخمة والغريب ان كل هذه الأجهزة لم تكن تلمس الأرض كانت تقاوم الجاذبية برشاقة اما المبنى فهو من الواضح أنه مبنى قديم واسع ورحيب وسقفه شاهق الارتفاع يبدو كأنه كامب قديم للجيش لا يتم استعماله الآن . فجأة تعالى صوت أزيز من إحدى الأجهزة , حينها دخل الشخص المريب القاعة وهو يمشي على الهواء بانسيابية كان يأكل شيئا ما نظر لي وعرف انني قد عدت لرشدي فقال لي : هل تريد أن تأكل ؟ عندي بعض شيالا متبقية قطعا لا تعرف الشيالا ولن ارهقك بوصفي لها ... لم أجبه ولم أنظر في اتجاهه مخافة ألا أكبح جماح عيني فتتلاقى بعينيه , فقط صمتت ونظرت في اتجاهات مختلفة دون النظر اليه , توجه الكائن نحو الجهاز وبدأ يضغط على أزراره كمن يرسل رسالة عبره, وتعمد ان يتكلم بلغتي التي أفهمها كي يسمعني الحديث وهذا ما أصابني بالرعب , فمادام سيطلعني على اسراره بالتأكيد يقتل آخر آمالي في أن اخرج من هنا حيا 
-سيدروك معك يا سيدي . تتم العملية كما خططنا لها فأجهزتنا تنجح في رفع درجات الحرارة عن معدلها وزيادة كمية البخر وطرد البخر عن المجال الجوي . التجربة في طريقها للنجاح يا سيدي وعند اتمام نجاحها سنقوم بذلك العمل على نطاق أوسع . أفكار عديدة جالت بخاطري من يكون ذلك الرجل وأية أجهزة تلك التي تصنع ارتفاعا في الحرارة يعقبه عملية البخر ولماذا يصنعون كل ذلك 
نظر نحوي ثم قال : لا ترهق نفسك بالتفكير فلن تفهم شيئا فنحن لنا عقول تسبقكم بكثير ولن تعي ما نقول حتى نوضح لك 
- من أنتم؟ 
- أحقا تريد أن تعرف؟ هل أخيرا انتصر بداخلك الكائن الفضولي على صوت العقل؟ حسنا سأخبرك ... نحن لسنا أرضيين نحن من كوكب يبعد العديد والعديد من السنين الضوئية عن كوكبكم نسميه سانترو ... هو يختلف كثيرا عن كوكبكم في ان قوة جاذبيته اكبر كثيرا من جاذبية الأرض الضعيفة .. تماما الأرض بالنسبة لسانترو كقمركم بالنسبة لكم , فان كنت تتعجب من أنني أسير على الهواء فبالتأكيد القمريون تعجبوا حين رأوا روادكم ... سانترو كان كوكبا رائعا له شمس زرقاء وبحار صفراء وحياة تحوي الجمال ... سانترو يحتوينا ويضمنا ويجذبنا اليه , كم هي قوية جاذبيته , لكن فجأة خرج سانترو عن مداره حول الشمس الزرقاء لتبدأ الكوارث, و استطاع العديد منا النجاة عبر مركبات فضائية التي كانت منتشرة في كوكبنا كما تنتشر السيارات لديكم , وهرعنا بالبحث عن كوكب جديد يحتوينا كما كان يفعل سانترو ... وجدنا أخيرا كوكبا يصلح لنا لكن للأسف انه يفتقر للماء لذلك بحثنا عن غيره حتى وجدنا الأرض التي فيها الماء , ولكن كوكبكم جاذبيته ضعيفة .. يطرد فقط ولا يجذب اليه أحد منا لذلك قررنا ان نحيا في الكوكب الآخر بماء الارض , فقمنا بعمل تجربة صغيرة نرفع عن طريق أجهزتنا حرارة الأرض فتتبخر مياه البحار وبوسيلة ما عبر أجهزتنا المتطورة نجذب البخار خارج غلافكم الجوي لتستقبله مخازن في مراكبنا الفضائية التي تحيط بالأرض الآن فتضغط البخار بداخلها وتحمله للكوكب الآخر . ربما لم تسئل نفسك من قبل لماذا ارتفعت الحرارة في الارض لأنك تظن انه بسبب الاحتباس الحراري نعم الاحتباس ساعدنا كثيرا لكن نحن الاساس وربما لم تسئل نفسك لماذا مع ذلك الارتفاع تقل الأمطار وتجف الأنهار ؟ الأجابة هي فقط ما قلته 
-لكن ذلك جنون انتم تسرقونا ثم كيف يصلح ماء الأرض في غير كوكبها 
-هذا ما نقوم عليه الآن , وهي كيفية ملائمة الماء للكوكب الآخر وبالتأكيد سنتوصل الى ذلك أتدري لماذا قلت لك ذلك ؟ كي أثبت لك أنكم ضعفاء جهلة أغبياء تُسرقون ويتم سلب عقولكم دون مقاومة أو بمقاومة الجهلاء الحماسية التي تنسى كيف تؤمن دفاعاتها أنت فقط من قاوم النظر الى عيني أما هؤلاء الأتباع فهم من رأوني أسير في الهواء لذلك كان يجب أن أسلبهم ذاكرتهم و عقولهم من أجلي و أرسل الى عقولهم اشارات كي نجتمع كل ليلة قمرية حتى إن فضح أمري وجدت من يساعدني 
أفزعتني الحقيقة وأصابتني برعب مضاعف ان هذا الرجل لا يوضع في خانة الأخيار بالمرة أنا أجلس الأن في حضرة قاتل وبالتأكيد لن أعود , وحتى ان هربت منه فمحسن صديقي الآن أحد أتباعه ومنه يستطيع الوصول اليَّ , ما أصابني أكثر بالقلق هو أنني ربما لن أرى سوسن مرة أخرى 
- هل لي بسؤال؟ ماذا تنقل تلك الشاشات؟ 
- انها تنقل أي مكان يخطر ببالك على ذلك الكوكب 
- أيمكنني أن أطلب منك طلبا؟ 
- ماذا تريد؟ 
- أريد أن أرى زوجتي 
ضحك بسخرية وقال : ولماذا تريد ذلك ؟ هل هو الحنين أم الشوق إنني أتعجب أيها الأرضيين من كوكبكم المائي الذي لم يستطع أن يطغى على قلوبكم الجافة سأقول لك لماذا تريد أن تراها انك تريد أن تعرف ماذا تفعل هي الآن و مع من تخونك ... انه غرور الأرضي 
- و ما شأنك بذلك؟ حقق لي ما طلبت كما وعدتني 
- حسنا لك هذا 
بعد لحظات كانت إحدى الشاشات الضخمة تعرض صورة لزوجتي سوسن كان الحزن يحدد ملامحها ويصيغه في لوحة صارخة من البكاء ... كانت تحمل وسادة بين ذراعيها وتقبلها ثم ترفعها عاليا كانت تنطق بإسمي وترسل رسائل الشوق 
كانت تقول للوسادة : لم أعهدك قاسيا هكذا كيف سمحت لنفسك أن ترحل وأن تغيب كل ذلك الغياب ؟ بالتأكيد هي مسألة الانجاب أعرف أنك تحب الأطفال لكنني أنثى و أعشق أن أصبح أما .. تلمس أنامل طفلها اللينة لتمنحه الدفء و الحياة .. ارحمني يا طفلي الأكبر فأنا لا أتحمل عذابين في قلب واحد .. ضمني بذراعيك وانقذني من هواجسي التي تكاد تقتلني ....عد اليَّ سريعا قبل أن يأخذني الجنون الى ما لاتحمد عقباه 
ثم ضمت الوسادة بقوة أكبر قبل أن تتساقط بجوارها على الأرض بينما أنا لم استطع أن أمنع دموعي تنساب بقوة على وجنتي وأنا أتابع حبات اللؤلؤ التي تذرفها عيناها ... تلك العينان التي شهدتا غرقي سنينا طوال ولم أبغي منهما انقاذ .. تلك العينان التي أسلمت لهما أمري ووضعت فيهما سري الآن كنت أنا من تسبب في نزفهما بالدموع ... أي عار يعتريك.
أما ذلك الكائن فقد توجه نحوي صارخا : ماذا فعلت بها يا هذا حتى تصل بها الى ذلك الألم المجنون؟ 
- و ما شأنك أنت ؟ وما يدريك بعالم الأرواح و أنت سارق قاتل تستمتع بتعذيب أسراك 
- ما شأني؟ بل أنت صرت شأني 
- حسنا أيها الكائن الغريب الآن أنا أستسلم لك وسأنظر الى عينيك لأصير أحد أتباعك فعيني الآن لا تهابك فهي تذكرت أنها أسلمت أمرها من قبل لعينين غير عينيك ولن يضيرها من أمرها شيء ان نظرت اليك 
- بهذه البساطة , استسلمت؟ وتركت تلك الأنثى البريئة لأحزانها؟ حقا انها الأرض الكوكب المائي ذات القلب الجاف 
- وماذا يمكنني أن أفعل ؟ و أنت تملك كل الأمر 
اتجه نحو اجهزته و قام بمداعبة بعض الأزرار قبل أن يقول : 
- حسنا .. سأقول لك ماذا تفعل ... انظر إلى عيني


***
جيدالا .... يا روح الطهارة وطهارة الروح 
جيدالا ... يا قلب الحياة الباعث للحياة في عروقي الرافضة ان يمسها دماء غير دمائك ... خضراء أنتِ كدمائي ... سر اصراري على الحياة هو ادماني لأن تصيري بداخلي .. أعشقني حين اراكِ فيَّ 
جيدالا ... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 
***
زخات المطر في الخارج هي آخر ما سمعت قبل أن أستسلم وأنظر الى عينيه وأنتظر أن أصبح مجرد دمية أخرى تضاف الى مجموعته .... لكن ما ان تلاقت العيون حتى رأيت شيئا غريبا لم يكن يسلبني ما بداخلي بل كان يرسل لي ما بداخله فأراه كأنه شريطا سينمائيا متتابعا سريعا 
كائن أزرق اللون غريب المظهر يجلس مع كائن يشبهه لكنه أكثر رقة ..كان الكائن الاول هو سيدروك أسمعه يخاطب الآخر قائلا :جيدالا ايتها الشمس الباهرة يا من تحمل معها بسمات سانترو كم أعشقك 
أراها تبتسم وهي تقول : ليس كما أعشقك ياسيدروك يا من صنعت مني أسطورة العشق السعيد .
يمر الشريط بالعديد من الذكريات سانترو يخرج عن مداره سيدروك وجيدالا جالسين في حديقة غناء حيث الاشجار ذات الأوراق الحمراء وطيور التولو تعزف أحلى الألحان وبينما اللوحة تزداد جمالا حتى تصبح كلها زرقاء انه وجه جيدالا الرائع وهو يسقط فوق وجه سيدروك وتحيطه مع صوت قطرات المطر لكن جيدالا تحاول احتواء جسد سيدروك بالكامل كي تمنع وصول الأمطار إليه .. نعم لقد اخترق مجال سانترو عاصفة غازية تحول بين السحاب وسانترو فتجعل قطرات الأمطار تذيب بشرة أهل سانترو تساقطت الأمطار كالحمم النارية فوق سطحه بل فوق جسد جيدالا الرائع وهي تحتضن سيدروك كانت أول من شعرت بخطورة المطر , هكذا دوما جيدالا تثق في مشاعرها وكانت آخر ما قالت جيدالا : كم أعشقك يا سيدروك , لا تستسلم للموت يا عمري ولا تجعل موتي من أجلك بلا معنى فأنا سأعيش ما دمت أنت حيا فأنا بداخلك ... توقفت الأمطار الحامضية مخلفة ورائها جسد سيدروك المشوه من أثر الأمطار القليلة التي وصلت له ... كما خلفت أيضا بقايا كائن حي لا يفهم معنى لوجوده بعد أن رحلت روحه إلا وصيتها الأخيرة ... لذلك كان يجب عليه مساعدة بني جنسه والقيام بواجبه فهو لن يستسلم أبدا لأنها أوصته بذلك ... انطلق مئات السنوات الضوئية وعبر العديد والعديد من المجرات مع من بقي من بني جنسه بحثا عن كوكب يستطيعون الحياة به حتى وجدوا الأرض .. الهواء في الأرض جيد يستطيعون التأقلم معه تبقى مشكلة الجاذبية وتوصلوا لحل نظري عبر وضع مجال كهرومغناطيسي في مركز الأرض و مازال ذلك الحل محل دراسة .. أما المشكلة العظمى فهي الماء ... نعم انه الماء فبعد ان أصابت الأمطار الحامضية كل الناجين بتشوهات خطيرة صارت أماكن الحروق لا تقاوم الماء في صفته السائلة فيمر الى الجسد مباشرة مما يؤدي الى وفاة فورية ... صار الماء- سر الحياة- قاتلهم لذلك قاموا بكل تجاربهم من أجل ان يصيب الأرض الجفاف حتى يستطيعوا الحياة بها اما عن بخار الماء نفسه فهو غير ضار بالنسبة لهم المشكلة فقط في سيولته , كما يقتلنا الثلج ان اشتدت برودته يقتلهم الماء ان مر الى أجسادهم عن طريق مناطق الحروق 
- لكن يا سيدي هكذا نقضي على من يعيشون على ذلك الكوكب ... نحن أرقى من أن نبني حضارتنا على الهمجية وقتل الغير 
- سيدروك , أيها الطيب لقد أرسلت مندوبنا لندرس تاريخهم انهم أشبه بحيوانات كاليو في بحثهم الدائم عن الفرائس لقد درست تاريخهم جيدا فيهم الأقوى يقتل الضعيف لا يحتكمون إلا لقانون واحد هو قانون الغاب صدقني ما سنفعله بالأرض هو أن نعيد لها الحياة الحقيقية التي كانت تدور حول شمسها من أجلها لا يغرنك ذلك الكوكب أنه مائي بل هو يحمل بين ذرات ترابه الجفاف .
تلاحقت مشاهد الشريط السينمائي الذي ينتقل الى عيني مباشرة من عينيه حتى وصلت الى نفسي أراني جالسا وهو يقوم بكتابة رسالته الى رئيسه كأنه يعلمني كيف أرسل لهم رسالة ما بل كأنه يعلمني لغتهم ... لماذا يفعل ذلك؟ 
لقطة أخرى و هو يقوم بالضغط على أزرار معينة وهو يقول حسنا سأقول لك ماذا تفعل ..انظر إلى عيني



يتبع
القادم هو الجزء الأخير

الخميس، 6 مارس 2014

جيدالا (1)




قرار جمهوري 
هاعيد نشر " جيدالا" على المدونة





جيدالا



جيدالا ... يا أخت الشمس الزرقاء حين تتهادى أشعتها على البحر الأصفر الصافي فتحيل ظلمة القلوب الى نهار ساطع 
جيدالا .... أتدرين كم أعشقك ؟ أعشقك كلما نما برعم لزهرة الجالو في حديقة منزلنا بل بعدد حبات ثمرة الساجول التي نثرناها بالأمس لنشهدها عشقنا 
جيدالا .. أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 
***
لم أدرِ أن الملل يصيب القلوب , ولم أخبر أن الحياة تمر سريعا لتنتقل بنا بين محطاتها المختلفة هكذا , لتتشابه كل المحطات كأنها محطة واحدة. يقتلني ذلك الإحساس المريع وهو أنك تحيا ذلك اليوم كأنك عشته من قبل بل تعيشه في كل وقت , نفس الوجوه نفس العبارات بل نفس الإنطباع الذي يخرج مني , كان يقتلني ذلك الشعور وأنا أراقب أوراق الشجر وهي تتساقط في خريف قاني يحمل الكثير والكثير من الغبار , ليحيل الحياة إلى صورة غير واضحة المعالم , كل ذلك كان منحوتا على معالمي وأنا جالس معها أتناول العشاء كان شهيا كالعادة فهي ماهرة في الطهي .. كالعادة نظراتها لي تحمل الكثير من الوجد والترقب كأنها تنتظر مني كلمة إعجاب أو ثناء على ما تبذل , ربما لأننا لم ننجب طوال فترة زواجنا الطويلة فهي تشعر بأنها مقصرة وأن الذنب يطاردها لأنها لم تستطع ان تمنحني ابنا . لم يكن ذلك يؤرقني كثيرا أو يشعرني بأنها مقصرة , فأنا أعلم كيف تبذل قصارى جهدها كي تستخلص من روحها ما تظن أن فيه إسعادي , وكنت ممتنا جدا لها ولما تفعل من أجلي . كم أنتِ رائعة يا سوسن .. تماما كإسمك , جميلة المظهر و تحملين بداخلك عطر الحياة . لكنني في ذلك اليوم قتلني شعوري الدائم بالملل وتعاقب الليل والنهار دون أن أعلم أيهم الليل و أيهم النهار .. لذلك لم أتجاوب مع إستجداء نظراتها , و لم تنبس شفتي بحرف , كان عشاء صامتا بل كان عشاء قاتلا بالنسبة لها . ولم أكن أعلم مدى جرم ما اقترفت وقتها وهي تشعر بحسرة و ألم تنوء بهما الجبال كم أنت قاسي أيها الإنسان حين تعرف أنك تملك من تعشق , حين تعرف أنك مهما صنعت فلن يتركك , لذلك تتمادى في فرض السيطرة .. يا لك من وغد

***

جيدالا ... أيتها الروعة المتناهية كأنها صنعت من جمال الخير او من خير الجمال 
جيدالا ... تتوارى لوحات المبدعين خجلا كلما تظهرين لهم فأنتِ يا سيدتي أروع لوحة بين اللوحات 
جيدالا ... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 

***

فاجئني صديقي العزيز محسن حين أخبرني أنه أيضا يشعر بملل قاتل , ويريد أن يصنع شيئا جديدا أو يقوم بعمل لم يقم به من قبل كي يكسر روتين الحياة , فاقترح أن نقوم سويا برحلة سافاري في الصحراء ننعزل عن كل شيء إجازة طويلة عن الحياة . أن نأخذ وقتا مستقطعا مع الروتين اليومي كي نكسر شوكته التي أدمت أرواحنا بألم عظيم . وكما فاجئني هو , فقد فاجئته أنا بموافقة سريعة دون تفكير وبحزم شديد , وكلمات تحمل آخر ما تبقى بداخلي من تفاؤل في امكانية إنقاذ ما تبقى لدي من الحياة بعد أن كنت شبه ميت 
اتفقنا على ميعاد الإجازة و اتفقنا ان تكون الإجازة لمدة اسبوع و أعددنا العدة وقمنا بشراء ما يلزمنا وما نحتاجه في صحراء رحيبة لا تحوي إلا الجفاف وبعض من وحوش الليل التي تأكل ما تبقى من نهار مؤرق و مرهق , أحضرنا الخيام والطعام و العصائر وكميات الماء ولم ننس أدوات الصيد والطهي , كما حملنا معنا قلوبا مضطربة تخشى المغامرة وترهبها لكنها تصر عليها لأنها آخر أمل وحلم في أن تعود لنبضها كما كانت . وانطلقت بنا السيارة نحو الكون الفسيح للهرب عبر فتحة في حجم سم الخياط نحو السعادة . وبعد أن قضينا وقتا طويلا لنختار موقعا نقيم فيه وجدنا أنفسنا توغلنا كثيرا داخل الصحراء , لنقف فجأة ونبدأ في إنشاء الخيام دون أن نعرف لماذا اخترنا ذلك المكان بعينه , لكنها الحياة دوما تختار أشياء دون أن تعلم ماذا تعني لك وإلى أين ستودي بك . كان المكان ساحرا بحق لون الرمال الأصفر يتلاقى مع السماء الزرقاء في لوحة بديعة . إنها الطبيعة التي تحمل سر الأسرار حين تضيع منك الحياة فإنها الوحيدة القادرة على إعادتها لك , فهي حياة لا 
نهائية وهي نبع كل حياة .لذلك أبهرني المكان و أبهرتني التجربة الجديدة , أن تأكل مما تصطاد و أن تبحث عن فريسة يوميا كي تفسح لغرائزك البشرية المجال , حتى تنفس بعضا من كبتها حينها لن تقتلك بشعورها الدائم من الملل كان هذا ما تعلمته من تجربتي في أول يومين . 
***

جيدالا ... يا روح الحياة المتوارية خلف التلال الشاهقة, فعلى من يبحث عن الحقيقة ان يعاني كي يصل اليكِ 
جيدالا ... يا طائر التولو حين يغرد في ليلة ظلماء فيخرج النور من فمه و يعيد لليل سحره وللحياة ضياؤها 
جيدالا ... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 






يتبع