في جمود تمثال تم نحته منذ قرون عديدة و مازال ينظر ببلاهة غير مصدقا أن الحياة ما زالت تدب في الآخرين , كنت واقفا هناك ,عيونهم تلتقي بعيني كأنها تبعث لها في رسالة رثاء بلا حروف , يدي ممتدة أمامي تصافح دون وعي أيادٍ خشنة , أين يديكِ الندية يا أماه , التي كانت تغذيني من منبع النقاء , يداك زهرتان تمنحان للشرق شمسا لا تأفل نورها يحيل ظلمة المآسي إلى كوكب دري , الآن يهيلون عليكِ التراب و يقفون ليتلون تراتيلهم القرآنية شاعرين أنهم هكذا أدوا ما عليهم , أياديهم خشنة يا أمي كادوا يجرحون يدي التي نمت بين يديكِ و ترعرعت على شذاكِ مازالت أناملك تقود أناملي ونحن نمسك القلم و نكتب حرف الواو ما زالت كلماتك تتردد على مسامعي ( راقب يا صغيري ذلك الحرف انظر لاستدارته و تعرجه هو حرف يحمل سحرا خاصا لا تجعل سحره يأسرك دعك منه لا تنظر إليه طويلا و تأمل الألف) مازلتِ دائما تنصحيني ألا أسير في منتصف الطريق فموكب الفتنة يمر من هناك و هو موكب لا يرحم طلبتِ مني أن أسير على جانبه , الرصيف غير مؤذي و الجدران تحميني لهذا لم أجرؤ على مخالفتك أعوام أسير هناك احتضن الجدران , و الآن تتركيني هل سأجدك أكثر ان احتضنت الجدران أكثر , هل الجدران ستمنحني دفئك , أشعر بالبرد , الجميع ذهب و تركني وحدي أمام قبرك قالوا لي (ادع لها) كيف أدعو لكِ , أنتِ من كنتِ تدعين لي دائما , و هل للأمهات وظيفة غير الدعاء لابنائهن , هل لهن وظيفة غير أن يمررن أياديهن بين خصلات شعر أبنائهن فيمنح الندى من أصابعهن سحرا جديدا و جمالا ظاهرا , نعم أماه منحتيني الدعاء و الجمال و الطمأنينة والآن قررتِ الرحيل, لن أقتنع أنك رحلتِ هكذا , بالتأكيد أنتِ ما زلتِ بجواري أشعر أنني أراكِ ابتسامتك الصافية ما زالت تتحدى برودة الشتاء القارص , مدي إلي يدك و صففي بها شعري كم أشعر أنني بحاجة إلى ذلك , تحدثي , ما لكِ صامتة ؟ كلماتك الأخيرة تتردد في أذني حتى الآن (لا تبق وحيدا بعدي يجب أن تتزوج) أنا لست وحيدا , ولن أبق بعدك بل سأبقى معك , لكنكِ صامتة فقط تبتسمين لي, حسنا يا أماه ما دمتِ أمرتيني بذلك سأنفذه سأبحث لي عن زوجة , و لكنني أين سأجدها وأنا الذي لم أخترق الشارع , أنا الذي ما زلت أعانق الجدران فهل ستمنحني الجدران زوجة؟ نعم , ربما , فصفاء ابنة جارنا الذي يفصل بيننا جدار قد تكون زوجة مثالية , أعلم أنك تحبينها و أعلم أنها تحترمك, حسنأ يا أمي سأذهب إليها و أخطبها من ابيها بالتأكيد ستذهبين معي فليس لي أهل غيرك.
لا تدعي طرقاتي للباب تفزعك , إنه أنا يا أمي , إنه اليوم الذي انتظرتيه حين تبتسم لي غيرك , هل أدعك تتكلمين أم أتكلم أنا؟ تريدينني أن أتحدث , حسنا سأفعل , عيني والد صفاء مليئة بالحزن و العطف و هو ينظر لي , لماذا ذلك يا أماه؟ هل في يوم مثل ذلك يكون للحزن مكان؟ لم أشعر بالخوف حين طلبت زواج ابنته فبجوارك ألتمس الدفء و القوة , نظر لي متعجبا مصعوقا نظر لي تلك النظرة الغريبة كأن هناك شيئا غير طبيعي , أنا فقط أريد أن أتزوج صفاء , تلعثم الرجل و نظر إلي مليا ثم قال (ليس لدي مانع , أنت مثال للشاب الصالح ,و يشرفني أن أزوجها لك و أعرف أنك الآن تحتاج إلى زوجة , لكن أليس هذا الوقت غير مناسب لمناقشة ذلك؟)
أجبته بكل ثقة ( المواقيت لا تفرق يا عماه ما دمنا انتوينا فلننجز أمرنا )ثم أردفت بكلماتك التي علمتيني إياها يا أمي (الأعمار تأكل من لحومنا و عقولنا فلا تؤخر أمرا نويته ) و لمحت ابتسامة صفاء الصافية كوميض يخطف الأبصار ابتسامة حياء و فرحة طفلة تتراقص بالعيون وهكذا تزوجتها , أصررت على إقامة حفل زفاف بالرغم من رفضه في البداية قال لي ماذا يقول الناس عنك !
لا أدري لماذا يقولون , فلم يهمني يوما ما يقولون كان كل ما يهمني هو كلامك أنتِ يا أماه , تحت إصراري أقمت الحفل جلست بجوار صفاء, يداها تعانق يدي , لها يد ندية مثلك يا أمي , و أنتِ يا أماه تقفين خلفي تربتين على كتفي , بينما هناك أناسي كثيرة لا أعرفهم يجلسون أمامنا يضحكون و يبتسمون , يتهامسون , أشعر أن عيونهم تقتلعني أشم في الهواء رائحة السخرية مني و لا أدري لماذا, لكن ذلك لم يهمني قط , كانت ليلة غريبة فكل ما كنت أعرفه عن حفلات الزفاف أن أسعد الناس فيه هما الزوجان , لكنني أشعر من ملمس يد صفاء بالاضطراب يختلج بداخلها أشعر أنها خائفة بينما أنا كل ذلك لا يعنيني فأنا لا أهوى الحفلات أصررت فقط عليه لأنك يا أمي كنتِ تنتظري ذلك اليوم و ها أنا أحقق لكِ إحدى أمنياتك , ومضينا نحو عشنا الذهبي هكذا يقولون كانت أيادينا متعانقة وهي الشيء الوحيد المتعانق بيننا , أذكر تلك الليلة جيدا حين صففت صفاء شعري بأناملها الندية لتمنحه جمالا مختلفا , لا أدري لماذا شعرت أنها أنتِ نعم إنها تحمل عينيكِ و لمسة يديكِ لذا رأيتك فيها و هي تقول (ما أجمل شعرك به سر غريب كأنه بستان ينبت الحرير) كانت تقول ذلك بصوتك لذا لم أتمالك نفسي فهتفت (أمي أخيرا تحدثتِ إليّ لولا ابتساماتك الأيام الماضية لظننت أنك غضبى مني ) و ألقيت نفسي بين ذراعيها و الدموع تتساقط مني قائلا (ضميني إليكِ يا أماه أشعر بالبرد) شعرت بدمعاتك يا أماه تبلل وجنتي لكنني نمت , نمت كما تنام الطيور في الليالي المطيرة , منذ تلك الليلة وأنتِ يا أمي لم ترحلي عن ناظري, منذ تلك الليلة و انتِ تشنفين مسامعي , كنت أراكِ حزينة يا أماه لكن هذا لم يمنعني عن الشعور بالأمان بجوارك كنت أسالك عن حزنك فلا تجيبي فأصمت .
لا أدري لماذا يقولون , فلم يهمني يوما ما يقولون كان كل ما يهمني هو كلامك أنتِ يا أماه , تحت إصراري أقمت الحفل جلست بجوار صفاء, يداها تعانق يدي , لها يد ندية مثلك يا أمي , و أنتِ يا أماه تقفين خلفي تربتين على كتفي , بينما هناك أناسي كثيرة لا أعرفهم يجلسون أمامنا يضحكون و يبتسمون , يتهامسون , أشعر أن عيونهم تقتلعني أشم في الهواء رائحة السخرية مني و لا أدري لماذا, لكن ذلك لم يهمني قط , كانت ليلة غريبة فكل ما كنت أعرفه عن حفلات الزفاف أن أسعد الناس فيه هما الزوجان , لكنني أشعر من ملمس يد صفاء بالاضطراب يختلج بداخلها أشعر أنها خائفة بينما أنا كل ذلك لا يعنيني فأنا لا أهوى الحفلات أصررت فقط عليه لأنك يا أمي كنتِ تنتظري ذلك اليوم و ها أنا أحقق لكِ إحدى أمنياتك , ومضينا نحو عشنا الذهبي هكذا يقولون كانت أيادينا متعانقة وهي الشيء الوحيد المتعانق بيننا , أذكر تلك الليلة جيدا حين صففت صفاء شعري بأناملها الندية لتمنحه جمالا مختلفا , لا أدري لماذا شعرت أنها أنتِ نعم إنها تحمل عينيكِ و لمسة يديكِ لذا رأيتك فيها و هي تقول (ما أجمل شعرك به سر غريب كأنه بستان ينبت الحرير) كانت تقول ذلك بصوتك لذا لم أتمالك نفسي فهتفت (أمي أخيرا تحدثتِ إليّ لولا ابتساماتك الأيام الماضية لظننت أنك غضبى مني ) و ألقيت نفسي بين ذراعيها و الدموع تتساقط مني قائلا (ضميني إليكِ يا أماه أشعر بالبرد) شعرت بدمعاتك يا أماه تبلل وجنتي لكنني نمت , نمت كما تنام الطيور في الليالي المطيرة , منذ تلك الليلة وأنتِ يا أمي لم ترحلي عن ناظري, منذ تلك الليلة و انتِ تشنفين مسامعي , كنت أراكِ حزينة يا أماه لكن هذا لم يمنعني عن الشعور بالأمان بجوارك كنت أسالك عن حزنك فلا تجيبي فأصمت .
في ذلك اليوم خرجت من المنزل أمشي بجوار الجدران كما علمتيني أنظر للأمام كما علمتيني لا أهتم بما حولي كما علمتيني فلم أرها تخرج من أحد الأبواب مسرعة فترتطم بي و نسقط معا و تسقط أوراقها منها , إنها (هيام) ابنة المرحوم الحاج (سلامة )ابن عم والدي و لا أعرف لي أقارب غيرها , أردت مساعدتها في تجميع الأوراق المبعثرة فلامست يدي يديها و تلاقت عيوننا شعرت كأنني أراها لأول مرة كأن هناك شيء ما ينتزعني من بين ضلوعي أشعر بالتيه , أماه هل ذلك ما يسمى بالحب؟ لماذا يأتي فجأة؟ هذه ليست أول مرة أراها فيها لكنها اليوم مختلفة فيها شيء يجذبني إلى دوامة لا أدري لي منها مناص , كأنني ألتهم حلوى مغلفة بالخوف و محشوة باللذة هكذا شعرت , ارتباك و اضطراب جعلني استند إلى الجدار و أعود إلى المنزل تاركا إياها تمضي كانت تتلفت نحوي و هي تحاول الإسراع في الإتجاه المعاكس .
حين ولجت المنزل كنتِ أنتِ في انتظاري كعادتك في الأيام الأخيرة مبتسمة ابتسامة حزينة , لا حزن بعد أن أخبرك ذلك الخبر السعيد (أماه .. ما رأيك في هيام؟ لأنني أريدها لي زوجة .) قلتها بفرح و انتظرت منكِ التبريكات و التهاني لكن كل ما حصلت عليه منك هي الدموع و الغضب و الثورة , لقد صرختِ في وجهي (عمر .... أنا لست أمك , أنا صفاء زوجتك) لم أصدق في البداية شعرت أنني أهذي فرددت(إنكِ تحملين عينيها , انكِ تبعثين دفئها في أواصري )
-لكنني زوجتك , والدتك هناك في قبرها غادرت الحياة قبل أن تخطبني , هناك خلف ذلك الجدار , لقد تحملت طويلا هذيانك , كنت أبعث في نفسي الصبر أنك ستشفى و تعود لي , لكل علة نهاية , خفت عليك من الصدمة فلم أتكلم , لكنني أشعر بالإجهاد تعبت
شعرت بالدوار أردد كلامها دون وعي (أمك غادرت الحياة , أمك في قبرها) أين أنا كنت حين حدث كل هذا؟ هل دفنوني معها؟ و ما تبقى مني هو انسان بلا عقل؟ من أنا و لماذا حدث كل ذلك ؟
فررت من المنزل عدوت في الشوارع لم أهتم بمواكب الفتنة تدهسني و لم أعانق الجدران كي تحميني , عدوت و عدوت لا أعرف لي طريقا لكنني اكتشفت أنني ذهبت إليكِ في قبرك و لأول مرة في حياتي أعاتبك (لماذا يا أماه؟ كنتِ دوما معي تحمينني تساندينني , كنت أشعر بذراعيكِ في صورة جدران الطريق فأشعر بالدفء إن مررت بجوارها , كنت ألمح في ابتسامتك جمال بساتين الأزهار و الآن أكتشف أن كل ذلك لم يكن إلا هراء , كل ما علمتيني إياه كان خطئا عظيما , أتدري يا أماه أنني لم أنظر إلى الواو طيلة حياتي بتركيز أخاف أن يخطفني إلى بلد لا أعرفه فأتوه لكنك لم تخبريني أن الحياة كلها واو لا أفهم سحرها و أتوه في تعاريجها , جعلتيني طفلا ليس عليه تعلم المشي فأنتِ تعينينني عليه ثم تركتيني فجأة فسقطت, تركتيني دون عكاز استند عليه , لماذا يا أماه؟ إنني إبنك كنتِ تقولين لي أنني حياتك فهل تفعلين ذلك بحياتك؟ اليوم أشعر بالغضب منكِ ,فقط اليوم أشعر أنك تحتاجين أن أدعو لكِ , سأدعو لكِ لكن ليس الآن ربما أستطيع يوما أن أغفر لكِ , اليوم عليَّ الهيام في الأرض باحثا عن نفسي نعم لم أشعر بنفسي إلا حين لامست يديها , (هيام) أنتِ الوحيدة في ذلك العالم التي تستطيع إنقاذي من الهوة السحيقة التي سقطت فيها , يبدو أن عينيكِ هي الشيء الصادق الوحيد الذي قابلته في حياتي , والدتي و صفاء خدعاني ,سآتي إليكِ يا (هيام) أما أنتِ يا أماه فحين أجد نفسي سأعود إليكِ)
فررت من المنزل عدوت في الشوارع لم أهتم بمواكب الفتنة تدهسني و لم أعانق الجدران كي تحميني , عدوت و عدوت لا أعرف لي طريقا لكنني اكتشفت أنني ذهبت إليكِ في قبرك و لأول مرة في حياتي أعاتبك (لماذا يا أماه؟ كنتِ دوما معي تحمينني تساندينني , كنت أشعر بذراعيكِ في صورة جدران الطريق فأشعر بالدفء إن مررت بجوارها , كنت ألمح في ابتسامتك جمال بساتين الأزهار و الآن أكتشف أن كل ذلك لم يكن إلا هراء , كل ما علمتيني إياه كان خطئا عظيما , أتدري يا أماه أنني لم أنظر إلى الواو طيلة حياتي بتركيز أخاف أن يخطفني إلى بلد لا أعرفه فأتوه لكنك لم تخبريني أن الحياة كلها واو لا أفهم سحرها و أتوه في تعاريجها , جعلتيني طفلا ليس عليه تعلم المشي فأنتِ تعينينني عليه ثم تركتيني فجأة فسقطت, تركتيني دون عكاز استند عليه , لماذا يا أماه؟ إنني إبنك كنتِ تقولين لي أنني حياتك فهل تفعلين ذلك بحياتك؟ اليوم أشعر بالغضب منكِ ,فقط اليوم أشعر أنك تحتاجين أن أدعو لكِ , سأدعو لكِ لكن ليس الآن ربما أستطيع يوما أن أغفر لكِ , اليوم عليَّ الهيام في الأرض باحثا عن نفسي نعم لم أشعر بنفسي إلا حين لامست يديها , (هيام) أنتِ الوحيدة في ذلك العالم التي تستطيع إنقاذي من الهوة السحيقة التي سقطت فيها , يبدو أن عينيكِ هي الشيء الصادق الوحيد الذي قابلته في حياتي , والدتي و صفاء خدعاني ,سآتي إليكِ يا (هيام) أما أنتِ يا أماه فحين أجد نفسي سأعود إليكِ)
الأفكار أمواج متلاطمة تبحث عن شاطىء لكنها لا تجده , صرخات حادة داخل عقلي تدميه , من أنا و لماذا أنا و كيف أنا , هل لي وجود أم أنني شيء تلاشى هل عشت كل تلك الحياة أحمقا مجرد طفل لا يعي شيئا عما حوله , الأقدام تسير وحدها فالعقل مغيب و العين دامعة و الرؤية مشوشة , إلى أين يا أقدامي تسوقينني , إليها حقا , هل هي بحق المعين النقي الوحيد للنور على تلك الأرض؟ بالتأكيد هي كذلك , لم أكن لأعرف أنني مخدوع إلا حين التقت عينانا و تلامست يدانا لذا حين وقفت ببابها , و فتحته استشففت في حيائها و تعجبها جمالا لم يوصف , عيناها تحمل سحرا غريبا سحر أكبر من كل واوات الدنيا , حاولت أن تبتسم و ترحب بي لكن شيئا ما يلجم لسانها , لكنني وجدتني أمام كل هذا السحر أنطق (هل تتزوجينني ؟) الدهشة تعلو على محياها شعرت أنها تريد الركض هربا لكنها لأنها تعيش وحيدة في ذلك المنزل بعد وفاة والدها لم يكن من اللياقة أن تتركني لذا احمرت وجنتاها و نظرت في الأرض خجلا محاولة أن تفك قيودي من أسر عينيها , تحاول ان تستجمع شجاعتها بلحظة صمت و تنهيدة , أشعر أنها تريد البكاء , كم نقاسي يا هيام حين نمنع دموعنا من الانطلاق و أخيرا قالت لي (أنت متزوج !! ) هل هي معلومة جديدة بالنسبة لي , المفترض أنني أعلم ذلك لكن شيء ما بداخلي لا يعترف بذلك لم أشعر أنني تزوجت قط بل أنني منذ ساعات قليلة لم أكن أعرف ذلك , لذا قصصت لها كل شيء قصصت لها عن صفاء زوجتي أو والدتي لا أعلم ما هي لكنها خدعتني أوهمتني أنها الدفء و الطمأنينة و الحنان ,حكيت لها عن وسط الطريق و جانبه تكلمت عن الجدران و الواو بل رويت لها عن قبر أمي و ما قلته لها , حدثتها عن عينيها و عن يديها و عن سحرها هل أنتِ ساحرة يا هيام ؟ من أي عالم أتيتِ ؟ و استمعت لي أشعر برجفاتها وابتساماتها الحزينة بدموع تتحجر في مقلتيها , اشعر بكم الضغط الذي تعانيهفي ملامحها لتنطق , أو تستمع قبل أن تقول ( صفاء تعشقك , بل تهيم بك , من يتحمل كل ما عانته هو بالتأكيد وله , إنها تضحي كل لحظة مرت وأنت تنظر لها تلك النظرة البنوية , و كلمة أماه تخرج منك كأنها سكين حاد ينحر قلبها , هي لم تخدعك لكنها خافت عليك و خافت منك , خائفة إن عدت لرشدك و استيقظت أن تتركها , هي لا تستحق منك كل هذا , هي تستحق أن تنظر لها بعين أخرى , عد إليها أرجوك )
قالتها و هي تحاول الهروب من عيني تنظر إلى الأرض كأن الأرض تمدها بالقوة و ما زالت تستطرد (أما والدتك فهي أم , أنت من يحمل لها ابتسامة الغد تخشى أن تلوث ابتسامتها شائبة , خافت و للخوف اضرار , فلا تؤاخذها إنها أيضا عاشقة ضحت بكل شيء من أجلك , سألتني إن كنت اقبلك زوجا لكن إن قبلت فسأكون كثقب أسود ينتزعك من مدارك إلى عالم آخر تحاول الهروب إليه من حياتك لكن ما زرعته الأعوام بداخلك لن يطمسه ثقب أسود , عد إلى حياتك يا عمر , زوجتك تستحق بداية جديدة )
كلماتها لها أثر الزلازل على نفسي هل أنا بكل ذلك القبح ؟ هل كل من حولي يعشقوني حقا و أنا لا أعلم ؟هل أنا من يضيع حياتي و ليس الآخرين؟ حين استمعت إليها شعرت بأن شيئا ما ينتزعني إلى العودة إلى حياتي لأحياها بطريقة مختلفة لكن هيهات أن تسامحني صفاء , لكن أمي بالتأكيد ستسامحني حتى حين كنت صغيرا لم تغضب عليَّ , وجدتني انطق (أعتقد أن الوقت متأخر للحاق بحياتي , بالتأكيد إن عدت لن أجد صفاء ) ابتسمت هيام أو هكذا ظننت رفعت عينيها إليَّ ثم تمتمت (كم أنت فقير يا عمر لا تدري ماذا يفعل العشق بالقلوب , من يحمل قلبا كقلب صفاء وافق أن يضحي بكل شيء لا يغادر بسهولة , اذهب إليها بالتأكيد هي تنتظرك)
كنت أشعر بالدوار , خافت هيام ألا أستطيع العودة وحدي أو أن تفل عزيمتي في العودة لحياتي لذا سارت معي نحو منزلي تحملني إليه حملا , و حين وصلت للباب وقفت بعيدا و انتظرت حتى فتحت الباب و دخلت قبل أن تعتزم هي على الرحيل , حين ولجت من الباب وجدت صفاء جالسة , حين رأتني حاولت أن تخفي دموعها المتساقطة أشعر بكلماتها دون أن تنطقها , كلمات عن قسوتي , اتهامات عن غبائي و هي بالتأكيد صادقة حتى و إن لم تخبرني بأنني هكذا , ركضت نحوها وضعت يدي على وجنتيها أمسح دموعها , كم أنتِ جميلة يا صفاء , أحقا أنني زوجك منذ فترة؟ كيف لم أنتبه لعينيكِ من قبل؟ حاولت ان ابتسم و اعتذر حاولت أن أعيد زراعة البسمة على شفتيها الرائعتين , و لا أعرف كيف نجحت في ذلك هل لأنها تحبني أم لأنها تعذرني , تعاهدنا أن نبدأ حياة جديدة .
لكنني لم أكن أعلم أن (هيام) عادت للباب تستمع لهمسنا و قلبها يعتصر ألما لم أكن أعلم أنها هناك تسأل نفسها ( لماذا عدت إليّ يا عمر لقد كدت أبرأ منك) دموعها تتواصل على الباب وهي تفكر( كيف لم ترني يا عمر قبل أن تتزوج؟ كيف لم تسأل الجدران عني , إنني كنت أسألها عنك حتى تشققت , ظننت أنك بدأت تغادرني حتى اصطدمت بك ثانية و تلامست يدانا لتنبض يدي من يديك و يصل نبضها لقلبي , عمر لماذا عدت؟ هل تستمتع بتعذيبي أكثر؟ هل تريد أن تعرف أنه ما تزال بعيوني دموع , لقد نجحت في استدرار دمعاتي على بابك و هأنت تعود لحياتك بينما أنا أضيع مرة أخرى في محاولة أخرى لنسيانك ).
لكنني لم أكن أعلم أن (هيام) عادت للباب تستمع لهمسنا و قلبها يعتصر ألما لم أكن أعلم أنها هناك تسأل نفسها ( لماذا عدت إليّ يا عمر لقد كدت أبرأ منك) دموعها تتواصل على الباب وهي تفكر( كيف لم ترني يا عمر قبل أن تتزوج؟ كيف لم تسأل الجدران عني , إنني كنت أسألها عنك حتى تشققت , ظننت أنك بدأت تغادرني حتى اصطدمت بك ثانية و تلامست يدانا لتنبض يدي من يديك و يصل نبضها لقلبي , عمر لماذا عدت؟ هل تستمتع بتعذيبي أكثر؟ هل تريد أن تعرف أنه ما تزال بعيوني دموع , لقد نجحت في استدرار دمعاتي على بابك و هأنت تعود لحياتك بينما أنا أضيع مرة أخرى في محاولة أخرى لنسيانك ).
أيضا لم أكن أعلم أن (هيام ) خافت في عودتها أن تسير في وسط الطريق فمواكب الفتنة خاطفة , لذا سارت على جانب الطريق تحاول أن تستمد من الجدران دفئا , لكنها لم تدر أن الجدران لا تمنح الدفء ابدا لقد تشققت و خرج من شقوقها متسولين كُثًر يمدون أيديهم إليها يطلبون منها أن تمنحهم العطايا و هي لم يعد لديها ما تعطيه لكنهم لا يتركونها يقومون بجذبها يحاولون تمزيقها قد تعودوا منها على المنح دون حساب , أياديهم تأخذ فقط تأخذ و لا تعطي , و هي لا تستطيع مقاومة صارت (هيام) أرضا جافة ينتظرون منها الثمر دون ماء , بكاء و دموع و أقدام متعثرة و متسولون لا يرحمون هكذا كان طريقها بجانب الطريق إلى أن جاهدت للوصول إلى منزلها .
و لم أكن أعلم أيضا أنها كانت تبحث عن الدفء بمنزلها تدثرت في محاولة للبحث عن أمان , تحاول أن تتقوى به على ألم جرح عاد للنزف مرة أخرى و لن ينفع في تطهيره أي علاج و لن يجدي أي شيء لايقافه , كانت تشعر أنها ستنزف حتى الممات حتى تخرج روحها رويدا رويدا من ذلك الجرح , آه من الآلام حين تكون أنت يا عمر مصدرها .
كل ذلك لم أكن أعلمه , لذا حين قررتُ العودة لقبر أمي في اليوم التالي للاعتذار لها و كنت قد أخذت معي (صفاء ) متشابكي الأصابع نسير معا في وسط الطريق لم أكن أعرف أن هناك عينين تتبعانا و تنظران إلينا , و قدمين خافتا أن تسير في جانب الطريق خوفا من المتسولين لذا كانت تسير في وسطه , العينان معلقتان بنا لذا لم تهتم بمواكب الفتنة التي دهستها عجلاتها بلا رحمة , لتخترقني و صفاء الصيحات و الصرخات هناك فتاة تسقط في وسط الطريق , و سيارة واقفة عجلاتها ملطخة بالدماء و صاحبها يهتف ذعرا ( كيف لم تنتبه إليّ! إنه خطئها) اقتربت منها , ألمح آخر ما سيسيطر عليّ من ذكرياتي عنها , و لأنني اقرب الأقربين إليها دفنتها بجوار أمي و حين صعدت إلى بيتها لأغلقه للأبد وجدت مذكراتها علمت ما لم أكن أعلم بل أيقنت أنني القاتل
أي جرائم ارتكبتها طيلة حياتي , ثلاث كواكب درية تدور في فلكي الخاص يظنون أنني شمسا و لا يعلمون أنني مصدر الظلام الأوحد لهم , كائنٌ هو يغذي الليل حلكة و يعتمه , لماذا لم تهربوا من مداري لماذا لم ينقذكم ثقب أسود مني , دماؤك يا هيام ستظل تطاردني فهي أنقى ما في الحياة , لماذا أحببتيني كل ذلك الحب لماذا ضحيتِ ؟ وأنا لا أستحق شيئا من ذلك .
آلام , أشواك , سكاكين تمزقني كل ثانية و أنا أتذكر ما فعلت بكل من أحبني , لقد سامحتني صفاء , فماذا عنكِ يا هيام؟ دوما أنا من يفهم متأخرا
أيام و أيام تمضي وأنا يوميا أقضي الوقت عند قبريهما -والدتي و هيام - أطلب الصفح و كل يوم تأتي صفاء لي لتربت على كتفي و تساعدني على إكمال الطريق و العودة للمنزل , لم يشعرني شيء أنكِ يا هيام عذرتيني إلا حين أتت (هيام الصغيرة) ابنتي تحمل الكثير من عينيكِ ولها نفس ابتسامتك , كنت أراكِ فيها , أعوضها بدفء كان يجب أن أمنحه لكِ
كانت هيام الصغرى تحمل دميتها على كتفها الصغير غريب أمركن أيتها النساء تولدن أمهات ابتسمت لها أخذتها من يدها و قلت لها (الآن سأعلمك كيف تكتبين حرف الواو , انظري إليه جيدا انظري لتعريجاته إنه يحمل الكثير من السحر الذي يجب أن تتعلميه لتتسلحي ضده , حين يسألونك ماذا يعني لكِ حرف الواو قولي لهم إنه الحياة خط نبدئه و ندور حوله حتى نعود لنقطة البداية منا من يأسره السحر فيظل يدور و يدور حول نفسه تاركا من يحب يكمل طريقه المتعرج وحده بعيدا عن الدائرة , و لا تكوني ألفا في زمن الواو فحين يجتمع الواو و الألف يكون الناتج حرف ندبة ,ندبة من الأحزان المتوالية , صراخ و عويل على نفوس تدكها تعرجات الواو , أعلم أنك لم تفهمي شيئا مما أقول لكن ستفهمين قريبا. أترين والدتك هذه , هي من ستفهمك بل إنها تعي أكثر مني فابق بجوارها دائما و حاولي منها التعلم )
في إحدى الأيام كنت سائرا مع صفاء في وسط الطريق متشابكي الأصابع كعادتنا رأيتها تبتسم و هي تقول لي(أراك لم تعد تخشى وسط الطريق) , نظرت إليها قائلا (كيف لمن تتشابك أصابع يديه بصفاء و الأخرى بهيام أن يخاف؟) نظرتْ ورائي بتعجب لترى أصابعي كأنها تتشابك مع أصابع خفية