راقبتها بصمت حزين و هي تلقي أرديتها على السرير بغضب بينما هناك حقيبة تفتح فمها لتبتلعها بعيدا عني ، ثم لا تنفك أن تنظر نحوي نظرة إتهام بين الفينة و أخرى و لسانها يردد في غضب :
- هكذا أنت ، لا تهتم بي ؟ ، فقط تهيم شوقا إلى حوريتك التي تسكن بيت السحاب و تنسى أنني إمرأة ؛ الغيرة تقتلها .
لم أجب ... فقط أخرجت أوراقي و كتبت : بالأمس حين أمطر السحاب دموعا ملأت منه كوبا لأروي به زوجتي .
بينما هي لا تتوقف عن الصراخ و زفرات الألم و إلقاء بعض النظرات الساخطة نحوي و أنا منكبا على أوراقي ، و هي تروي مسلسلا عن لا مبالاتي الدائمة قبل أن تهتف بحنق :
- حتى الآن ؟ حتى الآن تهرب إليها مني ؟ ما زلت تتغزل بجدائلها الذهبية و ردائها الوردي ، حتى الآن و لم يبق لي لديك إلا برهة من الزمن تأخذك مني ؟
رنت مني نظرة يائسة لها قبل أن أعود لأوراقي التي ابتلت بدمعة لم أستطع مقاومتها فأعادت لحوريتي الحياة رأيتها هناك تدلي ساقيها العاجيتين من فوق الغيمة الخالدة و تسقط دموعها مدرارا و هي تقول لي :
- فلتمت يا حبيبي من واقعك ، كي نحيا أبديا معا
اقتربت زوجتي مني بعدما انتهت من حزم حقائبها ، رأسها انحنى على أوراقي ثم لم تلبث أن تصرخ :
- كيف تتركها تدعوك ب(حبيبي) ؟
رفعت عيناي الجمراوتين عن الأوراق إلى وجه زوجتي الممتلىء بتجاعيد الغضب بينما هي تنظر لي بتساؤل ، و لم أجب فهل أملك أنا أن أنزعني من قلب حوريتي ؟ هي صنيعتي التي لا تعرف سواي ، لكنني لم أكن خالقا أصنع القلوب من العدم فتختار بمشيئتي من تعشق .
أشعر بأنفاس زوجتي الغاضبة و تنهداتها الحانقة و هي تبتعد عني ببطء تحمل حقائبها و تقف بجوار الباب قائلة في صوت لا يفارقه الوجع :
- حين تصبح لي وحدي ، و تترك حوريتك للأبد فأنت تعلم أين تجدني ؟
قالتها و خرجت صافعة الباب صفعة اقتلعتني من عالمي ، ألقيت بالأوراق و أسرعت نحو النافذة أراقبها و هي تبتعد و تبتعد للأبد ، استيقظت من خيبتي لأكتشف أنني صرت وحيدا ليس لي إلا أوراقي التي عدت إليها صارخا فيها :
- و كيف أموت من واقعي
ابتسمت الحورية ابتسامة ظفر قبل أن تخفيها و تقول بدلال :
- ارسم في أوراقك بحرا ، ثم ألقي نفسك فيه حتى إن غرقت ، تحولت إلى بخار فأجمعك قطرات في سحابتي و تصبح حينها أنت صنيعتي خالدا الى الأبد معي
نعم إلى الأبد معك ،هكذا رددها لساني و لم يرددها قلمي الذي رسم البحر لا إراديا و نظر نحوي بانتصار كأنه يقول لي أخيرا اخترت أن تكون عبدا لي .
لم اهتم بنظراته فأنا تحت تأثير مخدر أكبر ، سحر حورية شيطانية ، و سحر رحيل قاتل ، نظرت إلى مرآتي كأني أودعني بنظرة أخيرة لم يرعبني الشيب الذي غزا شعري بكثافة مفاجئة ، و لم اهتم بعيناي الحمراوين ، كل ما أرتعت له هي ضلوعي التي ترتفع و تنخفض بقوة كأن هناك وحشا بداخلها يريد التحرر ، كنت أظنه عصفورا من قبل استمتع بزقزقته فغدت الزقزقة زئيرا
بارتياع مما آلت إليه نفسي ركضت إلى الأوراق ، وجدتها هناك تقترب مني و تمد أناملها إلى دموعي كي تزيلها ثم همست في أذني :
- الآن يا حبيبي
نعم الآن يا حوريتي ، لم يعد لي خيار آخر