السبت، 27 أبريل 2013

بجماليون




راقبتها بصمت حزين و هي تلقي أرديتها على السرير بغضب بينما هناك حقيبة تفتح فمها  لتبتلعها بعيدا  عني ، ثم لا تنفك أن تنظر نحوي  نظرة  إتهام  بين الفينة و أخرى  و لسانها يردد في غضب :
- هكذا أنت ، لا تهتم بي ؟ ، فقط تهيم شوقا إلى حوريتك التي تسكن بيت السحاب و تنسى أنني إمرأة  ؛ الغيرة تقتلها  .
لم أجب ... فقط أخرجت أوراقي و كتبت : بالأمس حين  أمطر السحاب دموعا ملأت منه كوبا لأروي به زوجتي .
بينما هي لا تتوقف عن الصراخ و زفرات الألم  و إلقاء بعض النظرات الساخطة نحوي و أنا منكبا على أوراقي ، و هي  تروي مسلسلا عن لا مبالاتي الدائمة قبل أن تهتف بحنق  :
- حتى الآن ؟ حتى الآن تهرب إليها مني ؟ ما زلت تتغزل بجدائلها الذهبية و ردائها الوردي  ، حتى الآن و لم يبق لي لديك إلا برهة من الزمن تأخذك مني  ؟
رنت مني نظرة يائسة لها قبل أن أعود لأوراقي التي ابتلت بدمعة لم أستطع مقاومتها فأعادت لحوريتي الحياة رأيتها هناك تدلي ساقيها العاجيتين من فوق الغيمة الخالدة و تسقط دموعها مدرارا و هي تقول لي :
- فلتمت يا حبيبي من واقعك ، كي نحيا أبديا  معا
اقتربت زوجتي مني بعدما انتهت من حزم حقائبها ، رأسها انحنى على أوراقي  ثم  لم تلبث أن تصرخ :
- كيف تتركها تدعوك ب(حبيبي) ؟
رفعت عيناي الجمراوتين عن الأوراق  إلى وجه زوجتي الممتلىء بتجاعيد الغضب  بينما هي  تنظر لي بتساؤل ، و لم أجب فهل أملك أنا  أن أنزعني من قلب حوريتي ؟  هي صنيعتي التي لا تعرف سواي  ، لكنني لم أكن خالقا  أصنع القلوب من العدم فتختار بمشيئتي  من تعشق .
أشعر بأنفاس زوجتي الغاضبة و تنهداتها الحانقة و هي تبتعد عني ببطء تحمل حقائبها و تقف بجوار الباب قائلة في صوت لا يفارقه الوجع :
- حين تصبح لي وحدي  ، و تترك حوريتك للأبد فأنت تعلم أين تجدني ؟
قالتها و خرجت صافعة الباب صفعة اقتلعتني من عالمي ، ألقيت بالأوراق و أسرعت نحو النافذة أراقبها و هي تبتعد و تبتعد  للأبد ، استيقظت من خيبتي لأكتشف أنني صرت وحيدا ليس لي إلا أوراقي التي عدت إليها صارخا فيها :
- و كيف أموت من واقعي
ابتسمت الحورية ابتسامة ظفر قبل أن تخفيها و تقول بدلال :
- ارسم في أوراقك بحرا ، ثم ألقي نفسك فيه حتى إن غرقت ، تحولت إلى بخار فأجمعك قطرات في سحابتي و تصبح حينها أنت صنيعتي خالدا  الى الأبد معي

نعم  إلى الأبد معك ،هكذا رددها لساني و لم يرددها قلمي الذي رسم البحر لا إراديا و نظر نحوي بانتصار كأنه يقول لي أخيرا اخترت أن تكون عبدا لي .
لم اهتم بنظراته فأنا تحت تأثير مخدر أكبر ، سحر حورية شيطانية ، و سحر رحيل قاتل ، نظرت إلى مرآتي كأني أودعني بنظرة أخيرة لم يرعبني الشيب الذي غزا شعري بكثافة مفاجئة  ، و لم اهتم بعيناي الحمراوين ، كل ما أرتعت له هي ضلوعي التي ترتفع و تنخفض بقوة كأن هناك وحشا بداخلها يريد التحرر ، كنت أظنه عصفورا من قبل استمتع بزقزقته فغدت الزقزقة  زئيرا
بارتياع مما آلت إليه نفسي ركضت إلى الأوراق  ، وجدتها هناك تقترب مني  و تمد أناملها إلى دموعي كي تزيلها  ثم همست في أذني :
- الآن يا حبيبي
نعم الآن  يا حوريتي ، لم يعد لي خيار آخر

23 التعليقات:

م / إيمان حرفوش يقول...

واقع اعتاد أن يصدمنا دون تورية,, وأحلام تظل تراود القلب ويرد القلب نيابة عنا معاذ الله ,,, رقيق مانثرت سيدي

موناليزا يقول...

وكأني أراك في ثوب مختلف
مبدع قلمك فهو متلون ويستطيع التعبير عن مختلف الأمور بنفس التأنق

استمتعت بالقراءة
استمر :)

Unknown يقول...

السلام عليكم...
لا أدري لماذا لمست فيها شيئا ما بداخلك تريد أن تعبر عنه!!
أسأل الله أن ينجيك من كل شر وسوء ويهديك إلى سواء السبيل.
آمين~~

bent ali يقول...

تعرف يا مصطفى

اشعر ان هذه القصة معبرة عن جيلنا التعس بأكمله، جيل غزا الشيب شعره وهو يشاهد واقعاً كريهاً يدس بذور قبحه فى قلبه كل يوم، ولكن انت جعلت بطلك متردداً حاسماً للأمر فى النهاية

أسالك هل سنواجه نلك اللحظة يوماً يا مصطفى؟

هل سيكون الرحيل هو الحل الوحيد؟

انا حقاً اود اجابتك

تحياتي لك ايه الكاتب المميز

faroukfahmy يقول...

ان فى كتاباتك الاخيرة يا سيف اتجاه الى الاسلوب الغامض الكاشف المغطى المكشوف وهذا لون جديد بقدر استمتاعنا به بقدر ما يجعلنا نزيد ونعيد ما نقرا وكان هذا مقصدك من عدم مفارقتنا لمدونتك المبدعة
فعلا ياسيف الغيرة قاتلة وهى صفة على قدر معولها الهدام على قدر قدرتها على البناء
الفاروق

eng_semsem يقول...

احيانا نستسلم لعالم الخيال ونترك عالمنا الحقيقي فلا نحصل الا على الخساره والخذلان
تحياتي لقلمك الراقي

شمس النهار يقول...

))

برغم كل السواد العاااااادي خالص في كتاباتك
بس مش عارفه ليه ضحكتني وخصوصا زوجنه

التابلوه مضحك
واحد هيمان وسارح في دنيا الخيال
وواحده عماله تصوت وتصرخ وتهدد وشايطه
قمت الواقعيه للزوجة:))

ربنا يكرمك ياقناوي

رشيد أمديون يقول...

أزعم أن العنوان هو محور القصة الأساسي، فاستخدام اسم بنجماليون، يوحي بالتطابق الحاصل بين شخصية قصتك، وبين الشخصية الأسطورية الإغريقية، ولا غرابة أن استخدامه كرمز أو كقناع في النص يعطي فهما دقيقا لما تريد أن توصل إليه القارئ من خلال فكرة النص، خاصة وأن هذه الشخصية قد تم استخدامها في مسرحية برنار شو، وفي مسرحية الأديب توفيق الحكيم، وإن طبعا كان لكل واحد منهما تناوله الخاص، من زاوية معينة بحيث أن الشخصية اعتبرت كقالب رمزي يسكب فيه الكاتب فكرته الخاصة.
أعتقد أن النص وتطابقا مع اسم الأسطورة يعالج (النص) فكرة الصراع ما بين الحياة والكتابة على الخصوص، وإن كانت الأسطورة لها اتجاه آخر، كما تناولها ذات يوما توفيق الحكيم، وهو الصراع ما بين الحياة والفن، لكن استخدامك لها هنا يحمل تلك الدلالة التي قلت (الصراع ما بين الحياة والكتابة)، فشخصية القصة تكتب، وتؤلف، وتريد أن تهب لبطل قصتها الحياة، وتسبب هذا في أن بجماليون القصة، وقع في الصراع ما بين حياته في الواقع وحياته في الكتابة، وتماما انتهى به الحال كما انتهى بشخصية الأسطورة إلى حالة يرثى لها، لأن الكتابة ابتلعته، وأخذته وأسرته...
أرجو أن لا تكون أنت أخي مصطفى هو بجماليون، لأنني أعتقد أننا صرنا كذلك كلنا.
قصة جميلة وعميقة، وذات أبعاد رمزية مستوحاة من التراث الإغريقي، وتحاكي واقع الحياة والأدب.

عبارات عاريه يقول...

نصيحه مبتدئه
لا تذهب ابدا الى تلك الحوريه دعها هى من تأتيك دئماوستأتيك لا تخف فمن الواضح من كتاباتك انها هى الاخرى قد وقعت فى هواك فلا تتذمر من واقعك وتهرب لحوريه احلامك دع الواقع واقع والحلم حلم لكل وقته اما حوريتك فستأتى دائما لزياراتك والهامك فلا تتعجل الرحيل كن واسطتنا معها واتركنا نستاذيد من رحيق حوريتك

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

فهل أملك أنا أن أنزعني من قلب حوريتي ؟ هي صنيعتي التي لا تعرف سواي ، لكنني لم أكن خالقا أصنع القلوب من العدم فتختار بمشيئتي من تعشق .

******************
أرى القصة من وجهين
الأول خاص جدا / وهو العاطفى : فما اصعب حال ثلاثتهم المحب العاشق الذى يقف حيران بين الواقع والخيال ... الخيال الذى رسمه بفنه وقناعته ورغبته هو فتحول الى أدمان لايمكنه التخلى عنه او الهروب منه

وموقف الزوجة التى تغار على حبها وزوجها وتريد ان يكون لها وحدها كأى زوجة وحوريته التى تناجيه وتستدعيه لحياتها
ثلاثتهم فى عذاب الحب وقعوا

جانب اخر هو الاديب الكاتب الذى تعشق وذاب فى كتاباته كالفنان التشكيلى الذى رسم لوحة لحوريته فوقع فى غرامها وعاش معها فى الخيال فهذا عذاب اخر يصل اليه الكاتب المبدع والفنان الذى يصل الابداع به حد العشق لما يكتب ويخط قلمه فيبعده عن واقعه

الوجه الأخر / الناحية الادبية التى لا أملك فيها النقد الكافى لانى غير مؤهلة لذلك لكن ربما اذكر احساسى الخاص فقط لقصتك .... انت ياسيف التدوين تخطو خطوات ثابته لكنها سريعة تجاه الابداع ودائما كتاباتك تلمس شىء بداخل كل قارىء ويشعر انك تكتب له هو فقط وهذا امر لايتوفر لكل كاتب ....احسنت اخى العزيز

تحياتى بحجم السماء

رؤى عليوة يقول...

الاحلام والاوهام هى الحقيقه التى نرسمها لنهرب فيها حتى كدنا نصل لحد الاستمتاع بالهرب

ولا اعلم اهو الواقع الذى اجبرنا على ذلك ام سعة خيالنا التى سمحت بذلك وربما ضعفنا عن المواجهه


ايا كان
النص رائع واسلوبك يجلعنا نعيش التفاصيل
استمتعت بالقراءة أكثر بعدما قرأت تعليقك عن الاسطورة

فيها مغزى لا يستهان به


دمت بخير

Emtiaz Zourob يقول...

لي فترة منقطعة عن زيارة مدونات الأصدقاء ..

اعذروني لانقطاعي بسبب مشاغل الأسرة والأطفال ..

كنت عند رؤى عليوه ورأيت تعليقك وقلت لازم اجي ازورك ..

لم يتغير طير الرماد من اخر زيارة .. قصص قصيرة بها عبرة وكمية شجن ..

كمان عرجت على قصتك السابقة " ع بالي حبيبي " ..

كن بخير دائما وأبدا .

سندباد يقول...

الصراع الدائم والمستمر بين الواقع بكل ما فيه من معاناه وبين الهروب الي الخيال الدافئ الذي قد نجد فيه بعض السكينة والهدوء العنوان تحفة اقتباس اكثر من رائع والاحداث تشد القارئ حتي النهاية
تحياتي لقلمك المبدع ياصديقي

richardCatheart يقول...

الاختيار الاصعب دائما !!!!

رائئئئئئئئئئئئئئئئئئئئع يا درش رغم ان فيها خيال انت ابدعت فيه إلا انها حقيقيه حد الصدمة

صباحك فل يا موحد الخيال والواقع :)

حَنيّـن نِضال يقول...

اول مرة بقرء حاجة بحسها حقيقه لدرجه دي .. العادي جدا عندك الابداع بس المرة دي احساسك عبقري

:

تحيااتي

Unknown يقول...

قصة رائعة و ممتعة جدا لما تبدأ فيها لازم تكملها للنهايه و لكن طرحت اسئلة كثيرة فى ذهنى منها مثلا تمثيلك للوهم و الواقع بأنثى بمعنى ان هناك انثى الوهم و انثى الواقع ام انك تقصد الواقع و الكتابه وان الكاتب يعيش فى وهم يضيع عليه واقعه الثمين و الذى تمثل فى زوجته ام ان المرأه تتسلط على الرجل حتى فى خياله و غيرتها من وهم ام انك اردت ان تجعل من قصتك جامعه للعديد من المواضيع ؟؟!

aya mohamed يقول...

بتهرنى دايما
مش بعرف اعلق على كتاباتك
فيها عمق مش بيتوصف بالكلام

الازهرى يقول...

:)

هشش
من سكات

غير معرف يقول...

ثقافة الهزيمة .. البحث عن الشمس

شركة سيارات صينية
Geely
و نظرا لفشلها فى أنتاج سيارة على مستوى عالى من الجودة تستطيع بها المنافسة فى الأسواق العالمية ، أشترت فى عام 2010 شركة فولفو السويدية لصناعة السيارات لتنقذها من الأفلاس ، وقاموا بنقل تكنولوجيا متقدمة إلى الصين. و يبلغ مرتب العامل بشركة السيارات الصينية 400 إيرو شهريا ، بينما فى السويد يتقاضى العامل 8 أضعاف هذا المرتب ، و تقوم الشركة الصينية الأن ببناء 3 مصانع لتصنيع سيارة فولفو فى الصين. و هذا مثال جيد لما ينبغى أن تفعله مصر لنقل التكنولوجيا المتقدمة سيما أن أجور العمالة منخفضة فى مصر ، و يمكن أن نعمل هذا مع شركات عالمية ألمانية لصناعة مستلزمات الطاقة الشمسية.

و للأسف أغلب بلاد العرب تغوص بالنفايات و القمامة ، بينما منذ أكثر من 50 عاما فى الخارج أوروبا و أمريكا يتم أعادة تدوير النفايات والذى لا يصلح يتم حرقه فى مصانع خاصة لأنتاج الطاقة ، و يعتمد عليها فى أنتاج جزء ليس هين من أحتياجات الطاقة. ليس لدينا هذه المصانع و هى رخيصة و لا حتى أحد يتكلم أو يكتب عن هذا الموضوع . هل نحتاج إلى 50 عام أخرى حتى تصل و تطبق هذه الفكرة فى مصر و البلاد العربية؟!!!

باقى المقال بالرابط التالى www.ouregypt.us

رحاب صالح يقول...

دائما ما جد شيء من كل شيء ف كتاباتك يا دكتور
انت ملك الرمزية بدون منازع

عجبتني كتير ولكن لم يكن لاها حظا في قرائتي لها لاني كلما فتحتها لاقرأها يحدث شيء ليعطلني
الالي ان قرأتها الان
جميلة بجد

د.آيه يقول...

السلام عليكم

ذكرتني بقصة حقيقية رواها أستاذي / عبد الوهاب مطاوع عن زوج يشكو دائما من زوجته التى لا تقدر شاعريته و أنه فنان و ذو حس مرهف و عندما قرأت الزوجة ككلامه أرسلت الحقيقة أن الزوج لا يتحمل أى من الأعباء و المسؤوليات بحجة الفن و الشعر و لذلك جعل منها إنسان عصبي جدا و هذه المعادلة الصعبة عن واقع مرير قد يعيشه الفنان و هو الإفراط فى الخيال لدرجة تنسيه واقعه و مسؤولياته .

جميل أسلوبك و إحساسك كالعادة

تحياتي

" و عذرا للإطاله "

غير معرف يقول...

اريد ان اعرف خض برج التور في الزواج والشغل

الازهرى يقول...

إجبارى ياض


http://fritend.blogspot.com/2013/05/blog-post_20.html

بوست لله يا أولاد الحلال