السبت، 13 أبريل 2013

جينات مجاري



اعتدل على كرسيه /عرشه ، و هو يمسك مبسم الأرجيلة بكل ثقة ، ينفث دخانه بكل عزة في الهواء حتى  اختفى وجهه الأسمر الذي أحرقته نار الحكمة / الأرجيلة  . 
نفخ أوداجه و و اتخذ نفسا عميقا من الهواء و قال كمن يعرف أنه يصب الحكمة في كئوس المريدين :
- إنت عارف ، من فضل ربنا علينا ان الصرف الصحي مش هيكمل
صمت هنيهة ليرى وقع كلماته التي نزلت كأنها صاعقة على رأسي فاتسعت عيناي ذهولا  ، سحب نفسا أكثر عمقا  من أرجيلته كمكافأة منه لنفسه قبل أن ينفث الدخان و هو يكمل :
- يا ابني افهم ، المجاري بقت جزء من أساس البيوت بتاعتنا لو تم مشروع الصرف ، مع الوقت هتتبخر مية المجاري و تعمل فراغات في الأساس و البيوت كلها تقع 
غادرني الذهول و تركتني الدهشة ليحل محلهما الرعب و الهلع قبل أن أتمالك نفسي  قائلا :
- يعني نفضل كده عايمين على مية المجاري 
ابتسم ابتسامة هادئة واثقة  قبل أن يلوح بخرطوم الأرجيلة و هو يقول :
- الحل بسيط ، إما إنك تهدم كل البلد و تشفط كل المية العايمة عليها و بعدين تبني على نضافة و ده مستحيل أو إنك تتكيف خلاص  و تتأقلم مع المجاري ، لكن تعمللي صرف صحي و البيوت تقع على أصحابها ده مش حل
- لكن البلد خلاص طفحت 
- يا سيدي يبقى نكسحها  كل ما تطفح ان شالله نكسحها يوميا
بعد شعوري باليأس تراجعت للخلف على الكرسي الخاص بي و أنا أنظر إلى قارورة الأرجيلة التي صار ماؤها أصفرا عكرا و أراقبه و هو يشهق دخانها عبر الخرطوم الذي  سقط من يديه منذ قليل ليمتزج بتراب المقهى ، بينما هو يسحب و يسحب باستمتاع عجيب 
هممت بقول شيء ما لكنني تلعثمت ، و أنا أراقب أصابع صبي المقهى تغوص في أكواب الشاي و هو يعطيها للزبائن ، لم اشمئز من من الضحكات العالية  و النكات المفجعة ، لم أفزع من بصقهم للمخاط على ارض المقهى كأنني ولدت هناك كل شيء يبدو طبيعيا بالنسبة لي 
طلبت منه  أن يعطيني مبسم الأرجيلة  فوضعته بين شفاهي و سحبت نفسا عميقا ليمتلىء بدخانها صدري الفارغ من الاحساس المستعد لتقبل المزيد منه  ، نفثته في الهواء في غضب و متعة ، قبل أن استنشق نفسا وراء نفس الغريب أن كل ذلك تم دون أن اسعل 
قال لي ضاحكا :
- باين عليك بتشيش من زمان  و مش قايل
- دي أول مرة 
هو من تراجع مبهورا هذه المرة قبل أن يتحول انبهاره لضحكة عالية  بالكاد تبينت منها حروفه و هو يقول :
- هو ده اللي اسمه التكيف اللي باقولك عليه ابسط يا عم انت جواك جينات مجاري 

13 التعليقات:

Lobna Ahmed Nour يقول...

مؤلمة!

faroukfahmy يقول...

اجد دائما يا مصطفى ملامح الاسقاط فى كلامك نفهم منه الارشاد والتوجيه حتى وان اختفى الافصاح فقلمك فيه كل الصلاح
مدوناتنا فخورة بك مشتاقة دائما اليك
حبيبك الفاروق

Unknown يقول...

السلام عليكم...
تصوير جميل جدا (كالعادة)، والموقف بسيط لكنه يحتوي على رؤية وحكمة عميقة (كالعادة أيضا!!).
لا أدري لماذا استحضرت هذه التدوينة في نفسي بعض أبيات من قصيدة الأطلال للشاعر ابراهيم ناجي:

يا مغني الخلد ضيعت العمر...
في أناشيد تغنى للبشر...
ليس في الأحياء من يسمعنا...
ليتنا كنا نغني للبشر...
للجمادات التي ليست تعي...
للرميمات البوالي في الحفر...
غنِّها، سوف تراها انتفضت...
ترحم الشادي وتطرب للوتر...

تقبل تحياتي...

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

الحل بسيط ، إما إنك تهدم كل البلد و تشفط كل المية العايمة عليها و بعدين تبني على نضافة و ده مستحيل أو إنك تتكيف خلاص

اعتقد ببعض التفكير والاصرار على البناء سنجد حل ثالث :)

يمكن هو قدر يتكيف على التلوث المحيط به لكن تفتكر يظل على هذه الحالة كتير ولا هيجى عليه يوم يصرخ ويعترض ويغير الواقع ؟!!!

للاسف جينات المجارى بتكتر كل يوم اتمنى ان يتم اسعافها قريبا جدا ان شاء الله بمشاريع صرف صحى لائقة بالانسان

تحياتى بحجم السماء

رؤى عليوة يقول...

على كده المصريين بقى عندهم جينات ملهاش عدد

ومنها جينات مجارى

عارف رغم ان الواحد متضايق بس الحقيقه ان كلامك صح جدا
الناس بقت متكيفه لدرجة تقرف

عايزة اعيش فى غيبوبه
ودى حتى مش هنعرف نعملها

لنا الله


دمت بخير

سعدية عبد الله يقول...

عميقة جدا ومحزنة .. صورة واضحة للواقع المعتاد الذي لم يعد احدنا يستنكره وقل من يتعجب
أما عن القصة فهي نوع من محاولة اصلاح للمجتمع ,,الصورة مكثفة بطريقة احترافيه رمزية لكن تتسم بوضوح الفكرة ايضا :) ابدعت مصطفى .. جميل كالعادة

رشيد أمديون يقول...

نص ممتع بسرد جميل، يطغى عليه طابع السخرية، وإن كان به ألم دفين، وعميق...
جاءت النهاية لتلخص كل الفكرة بشكل يحمل السخرية من واقع اندمج معه الناس حتى صار دخان الحشيش لا يؤثر في أنفاسهم، بفعل ما اختلط بهم من روائح خلقت لهم مضادات حيوية لدرجة لا يؤثر مفعول الحشيش على أنفاسهم، نهاية جميلة وموجزة لفكرة تظهر تظهر في السرد تحكي مشكلة معينة اجتماعية.

أعجبني النص أخي مصطفى، أعجبني كثيرا.
لك التحية

Ramy يقول...

أزيك يا دكتور

القصة مش عارف زى ما يكون نقلتها من الواقع فعلا مش مجرد قصة خيالية
فيها جزء كبير حقيقى

للأسف

.............

حاجة على جنب نفسى اكتب بوست عنك

(:

انت من القلائل -على رأى ريتشارد قلب الأسد- اللى حقيقى كتابتهم بتصوغ الأنسانية جوايا

مش بتفذلك على فكرة (:

انا يمكن كنت عاوز اقولك دة فى اوقات كتير

بس حقيقى مُجهد جدا جدا مش عارف اكتب حاجة خالص

(:

zizi يقول...

اقولك ايه يامصطفى ..ان يكون الإنسان كاتب ربما نجد الكثير من الكتاب ..لكن أن نجد الكاتب كتاباته تغمرها الفلسفة ..فهذا هو ما نجده في كتاباتك ..تحمل لنا كل يوم نقاط من الحكمة الخفية التي نتلقاها ونحن سعداء أن أخذتنا معك لنتعلم منك ومعك بعض من دروس الحياة ..يظن البعض اننا قد تكيفنا مع ظروف الحياة ..ولا يدرون اننا قد ننتظر كثيراً وكثيراً حتى تأتينا هذه الفرصةلننقض على من استهان بعقولنالسنوات..والصبر طيب يا مصطفى

شمس النهار يقول...

بتشيش من ورانا يامصطفي

عارف الراجل ده فصيح
:))

أسماء فتحي يقول...

انا كنت محتاره ازاي المصريين قادرين يتأقلموا مع المستوى ده في العيشه
كل حاجه فيها عجز وكل الاساسيات لحياة كريمه مش موجودة
بس طلع كل الموضوع شوية جينات
جينات تأقلم مع الفقر جينات تعود على الجوع على العشوائيات علي الزباله المنتشرة بكميات رهيبه في بعض الاماكن علي المجاري على التعليم اللي واقع من الحسبه على الصحة المتدمره ..... الخ


قصتك بسطة واقعية صعبة احساس الآلم بها ينطق بين ثنايا الحروف


تحيـــــــــــــاتي
كانت هنـــا ورحلـت
Asmaa Fathy

ابراهيم رزق يقول...

ايه يا الحلاوة دى

يقول المثل اذا كنت فى روما فافعل مثل اهل روما

و يقول المثل كتر البكى يعلم النواح

و يقول المثل من عاشر القوم اربعين يوم صار منهم

احينى انهارده و موتنى بكره

و يقول على بن ابى طالب هل يضير الشاه سلخها بعد ذبحها

و يقول ابراهيم رزق
مش مهم مياه المجارى
المهم نتعلم ممن هو جارى

دايما مبدع

تحياتى

زينب علي حبيب يقول...

أحببت أن أسجل إعجابي ... بشدّة