الخميس، 22 نوفمبر 2012

جميلة لولان



مما لا شك فيه أنني أحب ال blogging لذلك كانت هذه المشاركة في الحملة
تلبية لطلب الأصدقاء لكنني لا أثق في نفسي أنه يمكنني أن أكمل فيها 



جميلة لولان





أحياء كمومياوات يبتسمن , تكلامكان تأكلها الجرذان  , فلا تسألني لماذا ابتسم  فكل ما فيَّ أذابه  الوجد و لم يبق من المنية سوى اسنان تصطف في ابتسامة ساخرة
في عهد الخليل كنت جارية لم أشهده يرفع القواعد من البيت ,لأنهم كانوا يمرون بي على طريق الحرير  تطأني أفيالهم و خيولهم , أصرخ بلا جلبة و أصمت بلا روح
"يا جميلة لولان إن الخليل يذبح العجول لا جائع اليوم , هلمي إليه"
لكنني مكبلة في رمل الصحراء المفتتة بأقدام يابسة و عيون شاحبة , قتلوا البراءة  حين دهسوني و رحلوا , حريرهم سلاسل ناعمة تلتف حول أرواحهم أراهم كالموتى يركضون  هربا 
تكلامكان ليست بصحراء , كانت غادة الأراضي أنهارنا جفت حين وفد اللصوص من الجبال
صمتا دعوني استمع لحفيفهم وهم قادمون نحوي يخترقونني  للوصول للحرير 
سادتي اسمعوني انا الشاهدة عبر التاريخ , أنا الحية الأقدم أيها الفانون , لا أتلوى كثعبان أرقط , و لا أبدل جلدي كصحفي أجرب , لذا مثلي يعرف مصيره , كلابهم الجوعى تنهش لحمي ,و أقواسهم تنبت من ضلوعي , و سهامهم لا ترحم ضعفي . سلة القمح تتساقط مني  تتناثر على الأرض فلا تنبت سنابلها 
فالنهر قد جف
"يا جميلة لولان اركضي إلى الخليل  إنه يقري الضيف"
الدماء تروي الأرض الخصبة فتجف  , ضحكاتي في الحانات يردد صداها الزمن , أنا الضاحكة الباكية  أنظر إلى المدى حيث جبال كونلون و أحدث نفسي أن ورائها  سيأتي من يطهرني
حرب اللصوص و التجار لا تنتهي  و الجياد تئن  بما حملت و أنا أصرخ بما أحمل
القز لا يعي الحقيقة , لا يعرف لمن يغزل , لو رآهم  لتوقف عن الغزل , لست أنا ايها القز من سترتدي حريرك , حريرك خيش شائك يدمي من يرتديه و هم يسوقونه عبري من الصين لسمرقند , سمرقند يتحدثون عنها في الحانة ان لها أسوار عالية  و قصور شاهقة , حيث حريرك يفترش الطرقات و هو ملطخ بدمائي و لا تبالي , تمنيت يوما الرحيل إليها لكنني كشجرة عجوز رغم أعوامي الأربعين رسخت في قلب صخرة في الصحراء فتُحدث الريح ان اقتلعيني و ارحلي بي , دون  جدوى فالريح صماء
"يا جميلة لولان اصمتي و اصغي , فالخليل  ينادى في الناس بالحج أن حجي إليه و أنتِ تنتظرين الريح تحملك؟"
أربعون عاما من العذاب ألا تكفي؟ 
أنظر إليكم عبر الدهور كل وجوه الفتيات وجهي , و كل الصحاري غيد بالية , و كل المومياوات يبتسمن لأنهن أحياء

-----------------------
(1)  الصورتان في الاسفل لمومياء جميلة  لولان على اليمين , و في اليسار هي صورة تخيلها لها احد الفنانين بعد ان تأمل المومياء
(2) جميلة لولان : هي فتاة  عاشت في زمن النبي ابراهيم عليه السلام و ماتت و هي في عمر الاربعين و كانت تحيا في المنطقة الشرقية من صحراء تكلامكان و حين وجدوا المومياء كان بجوارها سلة قمح
(3) طريق الحرير هو طريق التجارة الذي يربط بين الصين و أوربا و اشتهر بكثير من الروايات الغريبة عن اللصوص و التجار و هناك لعبة شهيرة اسمها silkroad
 
one of the most famous Tocharian mummies found, the so-called "Beauty of Loulan"; and right, her face as reconstructed by an artist.


“Beauty of Loulan” The oldest mummies found in the Tarim Basin come from Loulan located at the east end of the egg shaped Taklamakan Desert. Dressed only in shades of brown, she was alive as early as 2000 B.C. during the era of Abraham and the patriarchs. She died when she was about 40. Next to her head there is a basket which contains grains of wheat.

المصدر من هنا 

9 التعليقات:

حنين محمد يقول...

صباح الغاردينيا أستاذ مصطفى
قلمك الفذ لازال أسطورياً عبق بـ التاريخ والحضارات
لازلت قادر هلى حملنا عبر حروفك إلى دهاليز الماضي
إلى التاريخ من بوابة قلمك وبقدرة عجيبة على تطويع الحدث لنا
فـ نسكن حرفك منصتين متأملين
في كل مرة تبهرني تفقدني الكتابة "
؛؛
؛
دمت متألقاً
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
Reemaas

هبة فاروق يقول...

دائما تأتى بكل ما هو جديد ومتميز ومختلف
قلمك رائع حقا يا دكتور

شمس النهار يقول...

ياكتاباتك وتدويناتك يامصطفي

كل حروفك جميلة

SHARKawi يقول...

حقيقي بشكرك لإني كنت أول مرة أعرف أعرف عن الجميلة لولان النهاردة ودا طبعا بفضل ذكرك للموضوع الممزوج بطريقتك في التركيب .
ولا اعرف كيف لي ان اصف بعد ان وصفت ريماس . لذلك تقبل مروري وتحياتي وشكري
شكرا

رشيد أمديون يقول...

ناظر أنت في التاريخ، ومختيل، باعث أنفاسك إلى هناك لجلب الابداع، وكم بالتاريخ من حفريات تستدعي الاهتمام، كم به من شخصيات تستحق استخدامها كقناع أو رمز في كل النصوص.
أقول لك أن نفسك طويل يا صديقي، فاستمر..
تحيتي

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

كل ما سأقوله ان تمدنا بمعلومات اكثر عن قصتها فقد ابهرتنى بحكاياتها وحقيقة جديدة على ولم اسمع بها قط

قلمك غريب ياسيف التدوين له طعم خاص لانمل من مذاقه ابدا


تحياتى بحجم السماء

غير معرف يقول...

ارجو الدعم وإبداء الرأي في موضوعات مدونتي

المدونه

شكراً مقدماً

Remas يقول...

تكلامكان قضت عليها الجرذان للأسف .. وليست وحدها سلة قمح الجميلة لولان التى جفت .. بل سلال قمح كل الجميلات

أتساءل أكان خلاص الجميلة ونجاتها في تلك الجمل الثلاث المكتوبة باللون الأزرق ؟؟

ليتها انتبهت واتبعتها لربما كانت سنابل قمح سلتها اليوم .. خبزاً

ما أشبه تكلامكان ببلادي
و أدعو الله ان لا يكون مصير بلادي كمصير تكلامكان و ألا يكون مصيرنا كمصير جميلة لولان

جميلة جداً يا مصطفى وجميل بحثك في ازمان بعيدة و جميل تعبيرك عنها

بوست رائع و وجديد في الموضوع وطريقة الطرح سلمت يداك اخي

زينة زيدان يقول...

نص تخيلي رائع
الألفاظ كأنك تحدث معها حوار
لتحورها للمعنى الذي تريد ..
تأتي بحقبة تاريخية مجهولة لدى الكثيرين منا وتربطها بفترة زمنية نعدها جيدا فتأتي بالفظ من هناك وبالحالة من هنا لتكتمل الصورة لدى القارئ ..
جميلة لولان
كانت في نظري..
ربما المرأة بشكل عام
ربما المرأة المضهدة..
ربما الوطن ..!!

لأسلوبك عمق وفكر مميز