الأحد، 11 نوفمبر 2012

مربع الظلام










كان راكعا على إحدى ركبتيه , يقتل الأرض بحثا بعينيه عن أي دليل يفشي سر تلك الجريمة التي أودت بحياة صاحبة تلك الجثة الماثلة أمامه , وحين فقد الأمل في إيجاد أي دليل رفع رأسه نحوي قائلا : 

- الجريمة الثالثة بنفس الطريقة يا أشرف و أيضا لا دليل 

- كلا يا رأفت , هذه المرة مختلفة , القتيلة عارضة أزياء معروفة و تشتهر بنشاطها الخيري و المجتمعي , هذه المرة قضية رأي عام 

رفع ( رأفت ) عينيه نحوي في قلق ثم قال : 

- معك حق , في المرتين السابقتين كان تقرير الطب الشرعي يصف الحالة بأن الضحيتين قد قتلا بواسطة أنياب حادة غرست في عنقيهما , و هذا ما ننتظره هذه المرة أيضا بالرغم من أن الحوادث الثلاثة حدثن في أماكن عامة و مناطق  مختلفة إلا أنه لا يوجد شاهد واحد قد رأى أي حيوان مفترس , فقط كانوا يرون الدماء تنفجر من عنق الضحية فجأة 

- دعنا يا صديقي نسترجع الحوادث الثلاث ربما وجدنا رابطا ما , الأولى درية السيد موظفة بالسنترال يصفها أصدقائها و كل رواد السنترال بأنها كانت ذات وجه بشوش يوزع الابتسامات على الجميع , حتى صديقاتها المقربات لا يعرفون من أين كانت تأتي بتلك البشاشة رغم ظروف حياتها المحبطة فهي مطلقة و ترعى طفلين , أما الضحية الثانية نورا عماد طالبة جامعية لا توجد معلومات مهمة عنها سوى أنها كانت تعيش قصة حب جامحة , و هذه المرة الضحية سها الكردي عارضة أزياء قتلت هنا في النادي بينما كان مصورها الخاص يلتقط لها بعض الصور بملابس رياضية ترى ما الرابط بين الثلاثة ؟ 

- لا يوجد رابط يا صديقي بيد أن جميعهن إناث 

قطع حديثنا أحد الجنود حين أتى مسرعا و بيده بعض الصور حيث قال : 

- سيدي , هذه هي الصور الأخيرة التي تم التقاطها للمجني عليها قبل وفاتها بلحظات , الآن فقط وصلوا من المعمل 

تأملت الصور و صرت أقلب فيها , سها الكردي يا لها من ساحرة, حلم آلاف المراهقين , الآن تنام على الثرى , يا ترى كم صورة مثل تلك التي في يدي تزين حوائط و جدران العديد من الغرف , يا ترى كم عين ستبكيكِ يا سها و هي لم تراكِ من قبل , لو لم تحدث الجريمتان السابقتان لتلك الحادثة ربما كان توجه تفكيرنا في إتجاه واحد هو أن مجنونا متيما بها قد قتلها , لكن حادثتين سابقتين تجعلنا نركز أكثر في أن الثلاث حوادث قام بهم سفاح واحد . 

شيء ما في إحدى الصور استدعى انتباهي لأشحذ كل تركيزي و كل ما أوتي بصري من أشعة في محاولة الفهم , هناك شيء ما غريب أشعر به في الصورة لكن لا أراه , كان جزء من الخلفية وراء سها متموجا مبهما.. دققت أكثر.. كأن هناك قطرة ماء فوقه تتشكل على هيئة أصابع تنتهي بمخالب طويلة 

أعطيت الصور ل(رأفت ) كي يتأكد من أن ما أراه حقيقيا و ليس خداع بصري و حين تأكدنا أن هناك أمر غريب 

قلت له: 

- سآخذ الصور و أذهب بها إلى ( حمدي عز الدين ) 

** 

كان ( حمدي عز الدين ) رجلا في منتصف الخمسينات أشيب ربما من أهوال مغامراته ارتشف رشفة من كوب الشاي أمامه و هو ينظر إلى الصورة ثم رفع عينيه في إتجاهي قائلا : 

- هل رأيت الساحر حين يقطع مساعدته إلى نصفين و بعد أن يقطعها نرى وجهها في جانب يبتسم و أصابع أقدامها في جانب آخر تتحرك , ترى كيف يصنع ذلك ؟ 

- أظن أن هناك خدعة ما يقوم بها فيوهمنا بأنه قام ببترها , لكنها بالتأكيد خدعة فأجزائها موضوعة بصناديق سوداء لا ندري كنهها 

- نعم هذا ما يحدث مع جميع الحواة إلا ساحر واحد لا يستعمل تلك الصناديق بل يجعل الجميع يرى الجزئين منفصلين دون خداع إنه ( راغب محفوظ ) يقوم بفصل الجزئين و تجميعهما 

- كيف ذلك ؟ و ما دخله بالجريمة؟ 

- أنت لم تسأل نفسك يا صديقي لماذا التقطت عدسة الكاميرا تلك التموجات بينما لم ير ذلك أي من رواد النادي , لأن العين البشرية لا ترى إلا ما تريد أن تراه , لا ترى إلا ما هو منطقي أما حين ترى ما يخيفها فإنها إما أن تلفظه أو تمنطقه و لولا أن عين الكاميرا جامدة بلا روح لما رأت ذلك , و هذا ما يحدث حين ترى عرضه تجهد نفسك في البحث عن الخدعة دون أن تضع إحتمالية أن هذا يحدث فعلا . ذلك التموه في الصورة أنا أعرفه إنه كائن قادر على الاختفاء و التشكل بأي صورة و هو ما نراه عند راغب الذي يستخدم في عرضه كائنين منهما الأول يتشكل كأنه النصف العلوي و الآخر كأنه النصف السفلي , إن أردت حل هذه القضية اذهب إلى هناك 



** 

وصلنا للمسرح و نحن في عجلة من أمرنا , كان عرض راغب محفوظ على وشك البدء فشاهدناه و هو يقطع الفتاة إلى نصفين دون وجود لأي صندوق يخفي أي شيء , دققت النظر كي أرى التموه الذي يمثل الكائن دون جدوى نظرت أسفل النصف العلوي كي أرى باقي جسد الكائن دون جدوى , محاولاتي للبحث عن حقيقة الكائن قتلت متعتي في مشاهدة العرض بل لا أتذكر أي تفاصيل عنه رغم أنني استمعت للتصفيق الحار للمتفرجين الذي يدل على أن العرض كان مبهرا . 

و حين انتهى العرض ركضنا نحو غرفة ( راغب محفوظ) و قدمنا له أنفسنا و أننا هنا للتحقيق في جريمة قتل ثم عرضنا عليه الصور فنظر إليها ثم صاح : 

- رولين , إنه رولين 

- و من يكون رولين ( هكذا سألته) 

فأشار لي بأصابعه تلك الإشارة التي تعني تمهل ثم نادى قائلا : 

- جابي , زوليا تعاليا من فضلكما 

شعرت بحركة في الهواء لكن عيني لم ترى شيئا ربما ما زالت حبيسة المنطق , ثم بعد الحركة شهقة لا أعلم مصدرها , لا حظ راغب علامات التوتر على ملامحي أنا و رأفت فوجه حديثه لهما قائلا : 

- أعتقد أنه يجب عليكما أن تظهرا 

فتكشفا لنا في صورة فتاة و شاب , ملامحهما باردة لا يبديان أي انطباع فأعدت سؤالي مرة أخرى : 

- من يكون رولين؟ 

لاحظت أنهما يتبادلان النظرات فقال لهما راغب : 

- يجب عليكما أن تقولا الحقيقة فهناك جريمة قتل قد يكون رولين المتسبب فيها

فحسم باجي أمره و هو يقول : 

- حسنا سأخبرك بكل شيء , انا و زوليا ننتمي لكوكب يبعد عن الأرض آلاف السنين الضوئية اسمه جيتو و هو كوكب مظلم شمسه ليست بالقوية و بالرغم من أن أبنائه لديهم قلوب إلا أنهم قساة جبابرة يحيون حياة غريزية , هل تتعجبان لآنني أصف قومي بذلك ؟ ربما لديكما الحق , لكن حين تعلمان عن تلك المهمة التي كلفونا بها ستفهمان ما أقصد ,لقد أرسلونا عبر الفضاء إلى لا هدف فقط نحط بسفينتا على أي كوكب يقابلنا حتى نجد كوكبا به حياة , فتلك السفينة تتحطم حين تخترق مجالا جويا يحتوي على اكسجين و بخار ماء , و نصبح حبيسي الكوكب المجهول و لن ننال حريتنا إلا إذا فتحنا بوابة الظلام او مربع الظلام كما نسميه و من تلك البوابة يدخل قومنا إلينا و يغزون ذلك الكوكب , كانت المشكلة الرئيسية هي طريقة فتح تلك البوابة فهي تختلف من كوكب لآخر ظللنا فترة ليست بالقصيرة ندرس الأرضيين حتى نفهم طلاسم المربع هنا , و أخيرا توصلنا للطلسم و هو إسالة دماء أربع فتيات مختلفات في كل شيء و لا تعرف إحداهن الأخرى لكن يكملن بعضهن بطريقة أو بأخرى , كل واحدة منهن يجب أن تقتل في منطقة مختلفة تمثل رأس من رءوس المربع حتى إن قتل الأربعة خرج من كل موقع للقتل عمود من نور يمثل نورا حقيقيا صافيا للارض , فالبوابة لا تفتح إلا حين يبتلع الظلام نور الكوكب . 

نظرت نحوه كالأبله الذي لا يفهم شيئا قبل أن أقول : 

- أنا لا أفهم شيئا و لكن دعنا من ذلك المربع و أخبرني من يكون رولين؟ 

- إنه ابننا , نعم ابننا فحين قدمنا للأرض كانت زوليا زوجتي حاملا و رزقنا برولين و هو القاتل الذي تبحثون عنه 

قاطعته زوليا صارخة : 

- ابننا ليس قاتلا يا باجي , ابننا كان على الأرض بلا أصدقاء و بلا حياة , هو فقط حاول أن يهرب من ذلك الكوكب الذي لا يرى فيه حقيقته أحد و لم يتقبله فيه أحد 

كنت أتابع ذلك الحديث باهتمام لكنني لم أحب الخوض في عاطفة ام نحو ابنها لذا قررت تغيير دفة الحديث فقلت : 

- ما فهمته عن نظرية المربع أنه يجب قتل أربعة إناث , و رولين لم يقتل سوى ثلاث 

لاحظت زوليا أنني غيرت مجرى الحديث و أرادت أن تكون عملية أكثر فقالت : 

- هو يسعى خلف الرابعة 

- و من تكون ؟ 

- لا أدري , لكن إن أخبرتني عن مجريات باقي الحوادث و أماكنهن ربما أفدتك 

أخرجت لها خريطة للمدينة ثم أحدثت علامات في أماكن الحوادث , فقالت و هي تشير إلى مكان على الخريطة أن الجريمة الرابعة ستحدث في ذلك الحي لأنثى 

- هناك يوجد آلاف الفتيات كيف أعرف من يقصدها رولين؟ 

- كي يكتمل المربع يجب أن يكون هناك رابطا بين أضلاعه شيء ما يربط الجميع فأخبروني عن الثلاث ضحايا 

- الأولى موظفة في سنترال فقيرة و مطلقة و تعول طفلين لكنها كانت بشوشة دائما , الثانية طالبة جامعية عاشقة حتى الثمالة و الثالثة عارضة أزياء ثرية و مشهورة و كان لها نشاط خيري مجتمعي على نحو كبير 

- اذاً هو مربع السعادة ( الرضا و الحب و الثراء ) لكن ينقصه ضلع آخر هو الصدق 

- الصدق؟ الصدق لا يأتي للانسان بالسعادة بل يجلب عليه الهم 

- بدون صدق مع نفسك و مع غيرك فأنت تحيا سعادة وهمية , ابحثوا عن فتاة صادقة في ذلك الحي 

- إنه أمر يشبه البحث عن إبرة داخل كومة من القش , لكن كيف يجتمع الرضا و الثراء في مربع واحد 

- لأنها السعادة يا هذا فهي تجمع المتضادات و الثري الراضي هو السعيد الحق أما الفقير الراضي فهو من يقنع نفسه بأنه سعيد , صدقني الثري الراضي عملة نادرة و تكاد تكون مستحيلة 

أومأت برأسي إشارة إلى أنني فهمت ما تقصد ثم توجهت نحوها بسؤال آخر 

- قلتِ أنه اختار مربع السعادة فهل هناك مربعات أخرى 

- نعم هناك مربعات كثيرة مثلا مربع الابداع ( ذوق , حلم , صدق , حب) و مربع الأمومة ( تضحية , رحمة , رضا , حب) 

- أرى أن الحب يتكرر في جميع المربعات 

- نعم فما اكتشفناه أنا و باجي أن الحب هو كلمة السر التي تصنع أي مربع في كوكبكم 

- عندي سؤالين آخرين لماذا يقتل رولين ضحاياه في أماكن عامة , و لماذا كلهن فتيات؟ 

- أما عن الأماكن العامة فأعتقد أنه نوع من التحدي للبشر و إثارة الفزع و الهلع في قلوبهم أما عن الفتيات لأننا اكتشفنا أن الفتيات تظهر عليهن الصفات أكثر فيكون من السهل اختيار رءوس المربع منهن , كفى ثرثرة يا هذا و عليك البحث عن رولين و الفتاة الصادقة سريعا هيا لا تضيعوا الوقت و أعد إليّ ابني


يتبع 

12 التعليقات:

موناليزا يقول...

جميلة بجد
فى انتظار الباقى

شمس النهار يقول...

رعب علي الصبح
:))

في الحالات اللي زي دي
تنشر القصة حته واحده علي بعضها كده

:))
عجبتني جدا
ورائعة المربعات

ابراهيم رزق يقول...

فى الانتظار يا عم مصطفى
مطولش علينا

تحياتى

غير معرف يقول...

مساء الورد مصطفى

وعودة للإبداع المتجسد من بين أناملك ..

قصة رائعة وأتوقع لو ينحاز قلمك لناحية القصص المرعبة سنجد مبدع كبير ينافس الدكتور أحمد توفيق أديب الرعب في عالمنا العربي ...

في إنتظار البقية

تحياتي وإحترامي

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

رائع ياسيف
بس ياترى هل هناك احتمال ان يكون رولين مجرد شاهد وليس القاتل ؟!! :)
دائما ما تأتينا بالمفاجآت يا سيف التدوين وسننتظر البقية معك ومع الاصدقاء

تحياتى بحجم السماء

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

رائع ياسيف
بس ياترى هل هناك احتمال ان يكون رولين مجرد شاهد وليس القاتل ؟!! :)
دائما ما تأتينا بالمفاجآت يا سيف التدوين وسننتظر البقية معك ومع الاصدقاء

تحياتى بحجم السماء

رشيد أمديون يقول...

طابع القصة البوليسية..
والخيال.
أتبع في صمت.

eng_semsem يقول...

في انتظار البقيه
تحياتي

Ramy يقول...

مكنتش متوقع الأحداث

و مكنتش متوقع انى هقدر اكمل البوست

(:

لأ رائع يا دكتور


بجد مش مجاملة

انا انبسطت و انا بأقرا

ههههههه

بس انا مش دموى (:

ان شاء الله هتابع معاك و نشوف

........

الصدق؟ الصدق لا يأتي للانسان بالسعادة بل يجلب عليه الهم
- بدون صدق مع نفسك و مع غيرك فأنت تحيا سعادة وهمية

ممممممممم

يمكن ؟؟؟؟

(:

الازهرى يقول...

تححححححححححححححححححفة

ففى انتظار باقيها جدا جدا جدا جدا

وخليك جدع وبلاش تأخره

لــــ زهــــــراء ــــولا يقول...

رااااااااااااااااااااااااااائعة وربنا
استمتعت جدا جداً وفي انتظار الجزء الثاني يا دكتور

عجبني وصفك لعين الكاميرا ومقارنتها بعين الانسان

وعجبتني فكرة المربعات دي قوووووووووي

فكرتني براوايات نبيل فاروق الرائعة وكمان خالد توفيق


لولا

Unknown يقول...

السلام عليكم...
تفاجئنا كل فترة برائعة من روائعك..
عندي تعليقات كثيرة بعد الانتهاء من قراءة الجزء الأول:
1- لاحظت إشارتك إلى أن مربع الظلام المطلوب إنتاجه لن يمكن الحصول عليه إلا عبر مربع السعادة!
2- الحب هو العامل المشترك بين كل مربعات المشاعر، حكمة بليغة فلا مشاعر بدون حب.
3- قد أختلف معك في استحالة أن تجد فقيرا راضيا.
4- بصراحة، كنت أتوق أن تكون القصة بوليسية، فهذا النوع من الأدب صرت أفتقده كثيرا لكنك قلبتها خيال، ربنا يسامحك.
5- أيضا، لدي تحفظ على خلط القصص البوليسية بالخيال، وعن تجربة أشعر أن إيجاد مخرج خيالي للقصة البوليسية هو نوع من أنواع (استسهال) فك العقدة البوليسية، وعذرك الوحيد هنا أن هدفك النهائي كان فلسفيا، وإن كان عذرا لا يكفي!
سأذهب بسرعة لقراءة الجزء الثاني.
إلى اللقاء هناك!