الخميس، 6 مارس 2014

جيدالا (1)




قرار جمهوري 
هاعيد نشر " جيدالا" على المدونة





جيدالا



جيدالا ... يا أخت الشمس الزرقاء حين تتهادى أشعتها على البحر الأصفر الصافي فتحيل ظلمة القلوب الى نهار ساطع 
جيدالا .... أتدرين كم أعشقك ؟ أعشقك كلما نما برعم لزهرة الجالو في حديقة منزلنا بل بعدد حبات ثمرة الساجول التي نثرناها بالأمس لنشهدها عشقنا 
جيدالا .. أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 
***
لم أدرِ أن الملل يصيب القلوب , ولم أخبر أن الحياة تمر سريعا لتنتقل بنا بين محطاتها المختلفة هكذا , لتتشابه كل المحطات كأنها محطة واحدة. يقتلني ذلك الإحساس المريع وهو أنك تحيا ذلك اليوم كأنك عشته من قبل بل تعيشه في كل وقت , نفس الوجوه نفس العبارات بل نفس الإنطباع الذي يخرج مني , كان يقتلني ذلك الشعور وأنا أراقب أوراق الشجر وهي تتساقط في خريف قاني يحمل الكثير والكثير من الغبار , ليحيل الحياة إلى صورة غير واضحة المعالم , كل ذلك كان منحوتا على معالمي وأنا جالس معها أتناول العشاء كان شهيا كالعادة فهي ماهرة في الطهي .. كالعادة نظراتها لي تحمل الكثير من الوجد والترقب كأنها تنتظر مني كلمة إعجاب أو ثناء على ما تبذل , ربما لأننا لم ننجب طوال فترة زواجنا الطويلة فهي تشعر بأنها مقصرة وأن الذنب يطاردها لأنها لم تستطع ان تمنحني ابنا . لم يكن ذلك يؤرقني كثيرا أو يشعرني بأنها مقصرة , فأنا أعلم كيف تبذل قصارى جهدها كي تستخلص من روحها ما تظن أن فيه إسعادي , وكنت ممتنا جدا لها ولما تفعل من أجلي . كم أنتِ رائعة يا سوسن .. تماما كإسمك , جميلة المظهر و تحملين بداخلك عطر الحياة . لكنني في ذلك اليوم قتلني شعوري الدائم بالملل وتعاقب الليل والنهار دون أن أعلم أيهم الليل و أيهم النهار .. لذلك لم أتجاوب مع إستجداء نظراتها , و لم تنبس شفتي بحرف , كان عشاء صامتا بل كان عشاء قاتلا بالنسبة لها . ولم أكن أعلم مدى جرم ما اقترفت وقتها وهي تشعر بحسرة و ألم تنوء بهما الجبال كم أنت قاسي أيها الإنسان حين تعرف أنك تملك من تعشق , حين تعرف أنك مهما صنعت فلن يتركك , لذلك تتمادى في فرض السيطرة .. يا لك من وغد

***

جيدالا ... أيتها الروعة المتناهية كأنها صنعت من جمال الخير او من خير الجمال 
جيدالا ... تتوارى لوحات المبدعين خجلا كلما تظهرين لهم فأنتِ يا سيدتي أروع لوحة بين اللوحات 
جيدالا ... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 

***

فاجئني صديقي العزيز محسن حين أخبرني أنه أيضا يشعر بملل قاتل , ويريد أن يصنع شيئا جديدا أو يقوم بعمل لم يقم به من قبل كي يكسر روتين الحياة , فاقترح أن نقوم سويا برحلة سافاري في الصحراء ننعزل عن كل شيء إجازة طويلة عن الحياة . أن نأخذ وقتا مستقطعا مع الروتين اليومي كي نكسر شوكته التي أدمت أرواحنا بألم عظيم . وكما فاجئني هو , فقد فاجئته أنا بموافقة سريعة دون تفكير وبحزم شديد , وكلمات تحمل آخر ما تبقى بداخلي من تفاؤل في امكانية إنقاذ ما تبقى لدي من الحياة بعد أن كنت شبه ميت 
اتفقنا على ميعاد الإجازة و اتفقنا ان تكون الإجازة لمدة اسبوع و أعددنا العدة وقمنا بشراء ما يلزمنا وما نحتاجه في صحراء رحيبة لا تحوي إلا الجفاف وبعض من وحوش الليل التي تأكل ما تبقى من نهار مؤرق و مرهق , أحضرنا الخيام والطعام و العصائر وكميات الماء ولم ننس أدوات الصيد والطهي , كما حملنا معنا قلوبا مضطربة تخشى المغامرة وترهبها لكنها تصر عليها لأنها آخر أمل وحلم في أن تعود لنبضها كما كانت . وانطلقت بنا السيارة نحو الكون الفسيح للهرب عبر فتحة في حجم سم الخياط نحو السعادة . وبعد أن قضينا وقتا طويلا لنختار موقعا نقيم فيه وجدنا أنفسنا توغلنا كثيرا داخل الصحراء , لنقف فجأة ونبدأ في إنشاء الخيام دون أن نعرف لماذا اخترنا ذلك المكان بعينه , لكنها الحياة دوما تختار أشياء دون أن تعلم ماذا تعني لك وإلى أين ستودي بك . كان المكان ساحرا بحق لون الرمال الأصفر يتلاقى مع السماء الزرقاء في لوحة بديعة . إنها الطبيعة التي تحمل سر الأسرار حين تضيع منك الحياة فإنها الوحيدة القادرة على إعادتها لك , فهي حياة لا 
نهائية وهي نبع كل حياة .لذلك أبهرني المكان و أبهرتني التجربة الجديدة , أن تأكل مما تصطاد و أن تبحث عن فريسة يوميا كي تفسح لغرائزك البشرية المجال , حتى تنفس بعضا من كبتها حينها لن تقتلك بشعورها الدائم من الملل كان هذا ما تعلمته من تجربتي في أول يومين . 
***

جيدالا ... يا روح الحياة المتوارية خلف التلال الشاهقة, فعلى من يبحث عن الحقيقة ان يعاني كي يصل اليكِ 
جيدالا ... يا طائر التولو حين يغرد في ليلة ظلماء فيخرج النور من فمه و يعيد لليل سحره وللحياة ضياؤها 
جيدالا ... كم أعشقك بل أذوب فيكِ عشقا 






يتبع

1 التعليقات:

faroukfahmy يقول...

اسلوب رائع ومعنى اروع
الشعور بالملل سفاح قاتل
كما ان الشعور بالتملك يحرمك الاحتفاظ به قكلما كان الامر ملك يديك خسرت كثيرا مما ادخرته الايام لك من خير
احسنت كعادتك حبيبى