الخميس، 31 يناير 2013

نظرية التطور



جلس قائد الضباع على ساقيه الخلفيتين بينما قوائمه مرتكزة  فوق تلك التبة و عوى  فاجتمع له قطيعه ، و ما إن أحصاهم عددا و وجد الجميع حاضر حتى بدأ الحديث قائلا :
"  اليوم سأحدثكم عن شيء عجيب ، شيء تناقلته عائلتنا جدا عن جد منذ كنا بشر ، سأحدثكم عن شيء يدعى الحب"
تعالت نظرات الحيرة بين الضباع فتلك الكلمة الجديدة المكونة من حرفين لم تكن ابدا في  معجمهم  لذا صدرت منهم همهمات غير مفهومة جعلت القائد يكمل :
" صبرا ،  الحب هو أن يكون الفرد قميصا واقيا  يرتديه معشوقه ، فيزود عنه شر الأسهم القاتلة الموجهة لقلبه."
تقدم أحد الضباع قائلا :
" سيدي ، و من يزود عن صدورنا بعد أن انقرض الحب ؟"
ابتسم القائد و قال :
" لا تقلق يا بني ، صدورنا ليست بحاجة لمن يزود عنها فصدورنا صارت بلا قلوب ."
علت علامات الارتياح على القطيع بينما هم يستزيدون من حكمة قائدهم الذي ظل يكمل 
" لقد استبدلنا الحب بالشهوة ، و الشهوة هو أن تقتنص ما تريد و تطحنه بأسنانك ثم تأكله فيصبح كل ما تعشقه بداخلك ، كأنكما فرد واحد حينها ماتت قلوبنا و تحولنا من بشر إلى ضباع  ، الشهوة صارت تمتلكنا حتى أني أعلم أن منكم إن لم تكونوا جميعكم يتمنى أن يصعد تلك التبة و يغرس أنيابه في جسدي ، ربما لم يأن بعد ذلك الميعاد فما زلت أقواكم ."
هتف أحد الضباع من آخر الصف هاتفا :
" سيدي  ، من أكثر رقيا ، نحن أم البشر ؟."
ابتسم القائد ابتسامة دهشة كيف لا يعلمون  فقال :
" العصور  تسير دائما من تطور إلى تطور أعظم لذا نحن أرقى  من البشر ، انظروا إلى سيقانكم  الأربعة كيف ترتكز بقوة على الأرض و تفكروا , كيف كنا نقف على قدمين مهتزتين , القوة و الرقي نستمدها من الاتزان ، أما السقوط و الانكفاء على الوجه فهي عادة البشر ، سأحدثكم عن شيء آخر أكل الجيف  ، الانسان يعف عن أكل الجيفة لذا هو يقف في طريق التطور الذي يعتمد على مدى موائمته  للطبيعة من حوله التي لا تتأفف مثله في أن تصرعه و تقتله ، أما نحن فلا نتأفف من أكل ذوينا  لذا نحن الأبقى ، افخروا يا أبنائي لأنكم ضباع ."
انتهى القائد الحكيم من كلمته و هم بالنزول من التبة  بعد انصراف الجميع من حوله إلا  خمسة ضباع أصابهم منذ ولادتهم بعض التشوه في فكوكهم حتى صارت كأنها لا تبرز خارج وجوههم   ، كان يعدهم  القائد بأنهم الأدنى تطورا لذا كان الجميع يستعبدهم  كانوا ينتظرون قائدهم الهمام يهبط كي يقوموا بأعمال تنظيف عرشه / التبة . إلا أنهم كانوا يشعرون بفكوكهم تمتد للأمام يوما بعد يوم لذا ما إن هبط القائد حتى انقضوا عليه و قتلوه .
بعدها اشتعل صراع القيادة بين أفراد القطيع و انفجرت أنهار الدم أسفل التبة حتى ذلك اليوم الذي استيقظ فيه أحد الضباع ليجد أنه قد نبت له جناحان فطار للتبة و أصدر عواء مختلفا  ، اجتمع لديه باقي القطيع مطأطئي الرءوس ينتظرون أن يمن عليهم الله بأجنحة حتى يقتلعوه من عرشه

-----------------------------------------


أذكركم 
بأنه قد تم إصدار كتاب نوافذ مواربة  (الاصدار الثاني من كتاب المائة تدوينة ) يمكنكم الحصول عليه من داخل المعرض في الأماكن التالية 
صالة 3 .. دار اكتب 
صالة ايطاليا .... مكتبة اديوجيت 
صالة 2 ... مكتبة الأدهم 
ايفنت الكتاب من هنا 

----------------------------------

أذكركم ايضا 
بموعدنا يوم الخميس القادم 7 فبراير 2013 الساعة السادسة مساء في راديو أرابيسك (شارع قصر النيل ، 2 ممر بهلر) 
مع صديقتي الدكتورة شيرين سامي  لمناقشة  أعمالنا  التي شاركنا بها , ضوء أسود , بنكهة مصر ، صندوق ورق  و حكايات و نوافذ مواربة   
سنكون في انتظاركم بالتأكيد يشرفنا حضوركم   
ايفنت الحفل من هنا 

13 التعليقات:

bent ali يقول...

جميلة قوى يا مصطفى

اسامة يس يقول...

بلسان حالهم ام بلسانا حالنا كتبت...
كان الرقي= مساويا للقوة= مساويا للحب..
بين النقيضين جمعت...
وتركتنا نتساءل...

الف مبرووووك الاصدار..
واتمنى ان ينال اصداري الاول اعجابكم..
دمتم بكل ود..
خالص تحياتي

شهرزاد المصرية يقول...

فلسفة راقية جدا يا دكتور فى قالب مبدع
ألف مبروك صدور الاصدار التانى من 100 تدوينة
و اتمنى لك التوفيق فى مناقشة كتابك
تحياتى

faroukfahmy يقول...

حقا يا سيف لقد استبدل الحب بالشهوة ليس فى الحيوان فقط بل ادركت ايضا الانسان فى مقتل

SHARKawi يقول...

جميلة جدا استاذي .
هذا كعادتك . ودا من الاخر العادي بتاعك .
سلمت اناملك .
لك مني تحياتي . تشكراتي ودعواتي . كل تقديري واحترامي .

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

الحب هو أن يكون الفرد قميصا واقيا يرتديه معشوقه

مرحبا ياسيف التدوين :)
اشعر انك بدأت تعود لقلمك مثل سابق فلا اخفيك شيئا كنت اشعر انك مشغول الايام الماضية ودائما كتاباتك تحمل هم وحزن

لكن قصتك اليوم اثبتت ان المبدع لا يجف قلمه ابدا وليس معنى هذا انى انتقص من ى تدوينة لكن لك قدر خاص بين المدونين اتمنى ان يرتقى يوما بعد يوم فانت تستحق اخى العزيز

فيه حاجة فى قلمك قريبة اوى من نفسى له كريزما تجعل اى انسان يتصور انه يحكى عن مشاعره واوجاعه ماشاء الله عليك

سلمت اناملك يامصطفى وسلمت دائما وتحياتى بحجم السماء

شمس النهار يقول...

عقبال ماحد ياكل اللي ابتلينا بيهم
:)
لسه ازهري قايل لي علي الايفنت ده وان شاء الله هاجي معاه
:)

ابراهيم رزق يقول...

فعلا يا مصطفى
الجانب المادى من التطور هو القوة
سواء كانت اقتصادية او غيرها

للضباع صفات تختلف عن صفات البشر نعم ومع ذلك فاستطاع الانسان ان يرودهم
و يبقى سر ذلك هل فى همجية البشر او عقلية البشر
القصة جميلة جدا يا مصطفى والاجمل فيها انها لها اكثر من قراءة وقد تكون القراءت ما لم تقصده ابدا

مبروك الايفنت وبأذن الله موجووووووووووووووووود

تحياتى

رشيد أمديون يقول...

قصة عميقة جدا
أيكون الرقي والإرتقاء هكذا، ربما تكون الضباء لها نظرية التطور من بشر إلى حيوان. لكن في النهاية هنا التطور لا يتوقف، وهو يأتي على كل شيء حتى على قائدهم، وبعدها نمو الاجنحة ووو.. إذن الاترتقاء نحو الصراع فقط.
تحية محبة أخي مصطفى

رهف يقول...

شكراً على المجهود الرائع والمتميز ، مشكورين

Unknown يقول...

رائع هذا الفكر و جميلة تلك الصّياغة ،،

تقديري

/ الزّمن الجميل فضاء للإستراحة من عناءات السّفر في الأيام تدعوك لتصفّح ورقاتها و ترك بصماتك ، شكرا لجميل التفاعل
http://zaman-jamil.blogspot.com/

aya mohamed يقول...

و من يزود عن صدورنا بعد أن انقرض الحب

جميلة كعادتك يا مصطفى
ومبروك على الكتاب
وبالتوفيق فى الحفلة ان شاء الله

إبـراهيم ... يقول...

جميلة ..

ومبروك على الكتاب :)