الأحد، 13 يناير 2013

مآساة كاتب




لا جديد كالعادة ما يحدث اليوم هو ذاته الذي يحدث كل يوم ، أخرج أوراقه من درج المكتب و لم ينس علبة سجائره السوداء ، وضع سيجارة بين شفتيه اليابستين ثم أوقد فيها النار ، أخذ نفسا عميقا  كبئر  سحيق  يلقي ذاته بداخله , و راقب الأبيض الذي تحول إلى الأحمر و لم يلبث أن يتساقط منه الرماد فينزعج .
أمسك بالقلم و بدأ يكتب و هو يصيح بغضب : " مش عايز أشوف وشك تاني ، إنت مرفود ."
قالها دون أن يرفع عينيه عن الورقة , و بكل غضب ينفث الدخان كتنين صيني أصيب بتضخم في الغدد النارية، ثم رفع عينيه ليرى الشخص الذي يحادثه فلم يجد أحدا , ضحك بهستيرية  جنونية  حتى بكى و تساقطت دموعه لتبلل الأوراق ، فأشعل سيجارة جديدة يراقب الأبيض منها و هو يتحول إلى رماد لتدور نفس الدائرة مرة أخرى  و سيجارة وراء سيجارة و دموع تعقبها دموع  صارت غرفته محرقة 
و حين احترق فؤاده تماما و لم يستطع المواصلة فتح النافذة  ليبتلع العالم الملوث دخانه المقزز , هم بقول شيء ما إلا أن دخانا تصاعد من فمه ليلهب عينيه .
 غارق هو في ضباب اليم بلا شاطىء ، سيطرت عليه فكرة عن الاعتزال, إلا أن إدمانه لصهر ذاته  و لملمس السيجارة الحريرية بين شفتيه الجافتين  يوقفه دائما .

18 التعليقات:

Unknown يقول...

السلام عليكم...
هناك حلقة من حلقات توم آند جيري، تلك الحلقة التي تتحدث عن ذلك القبطان ذو القدم المقطوعة الذي يصمم على اصطياد الحوت الأبيض (وفي نهاية الحلقة ينجح في إصابته بسهم مربوط فيه حب يمسك بطرفه الآخر القط توم)!
المهم أن حركات ذلك القبطان وانفعالاته المجنونة وحركته الدؤوب على سطح المركب ذهابا وجيئة، كل ذلك تذكرته وأنا أقرأ قصتك هذه!
أنت تصور هنا حالة من حالات الانفعال الشديد التي تصيبنا كلنا.
وكالعادة فالوصف رائع.
استخدامك للسيجارة للتعبير عن الصورة بالكامل جاء موفقا، غير أنني لست من دعاة التدخين!!
تقبل تحياتي...

Amira Yusuf يقول...

حاله من الضجر يمر بها كل منا
ونتعامل معها كلٌ بأسلوبه

جميله يا دكتور :)

رشيد أمديون يقول...

أيكون هو نفسه كالسجارة التي تحترق تاركة دخانا خانقا..؟
بين السطور السردية سر عميق دفين، تحمله نفتة الدخان واحتراق الكاتب في مآساته.
مودتي يا صديقي

نور الدين (محمد الجيزاوى) يقول...

الاحتراق له فلسفة عجيبة تسيطر على بعض الارواح فلا يمتعها غير الألم ولاتتنفس إلا من فم الدخان
إنهم يحترقون قبل أن يحرقوا غيرهم
صدقنى يامصطفى ليس البركان بأقل ألماً من الغابات المشوية بلظاه ..!
تحياتى لك أيها الصديق المبدع

هيفاء عبده يقول...

تلك فعلا مآساة اي كاتب لا يجد من يقرأه أو يفهمه
هو يحرق ذاته من غير شيئ،
و هو يحترق مع كل حرف يعكس ذاته

مبدع استاذ مصطفى في سرد القصة

ابراهيم رزق يقول...

اخى العزيز

مشكلة الكاتب عندما يكون صادقا فى الكتابة
فميلاد الفكرة معاناة
وتبنى الفكرة معاناة وتكبيرها معاناة اخرى
اما الماساى الكبرى عندمل لا يصل فكره للمحيطين به
دايما رائع يا درش

تحياتى

faroukfahmy يقول...

ما هذه الروعة النابعة من فلسفة الحياه وروحها الطاغى
لم يجد فى السيجا رة الا احتراق قؤاده وذهب كل ما اخذه منها خارج حدود مكانه
اراد ان يحبسهاكما حبس مشاعره ولكنها ابت الا ان يطير دخانها مع من طار من حياته
برافو يادرش وكل يراها من مفهومه
الفاروق

reemaas يقول...

ويبقى السؤال
هل ممكن ان نختصر ونختزل عالمنا بانفعلاته على اوراقنا؟ هل يكفى هذا لتستقيم الحياة
مأساه

ظلالي البيضاء يقول...

أخي الحبيب الدكتور مصطفى ..
لا ادري هل أقرأ كلماتك بلوعة لأنها تحمل في طياتها ألم الكاتب الذي ضجرت كلماته منه حتى كاد يرفد نفسه منها أو يرفدها منه ..
أم أقرؤها بسعادة من يلمس الإبداع في التصوير الإيحائي الذي تتشكل منه الكلمات والعبارات فيدرك كم يختزن عقل وروح كاتبها من الخيال المبدع الجميل ..
أما الاعتزال .. فهو كمن يقضي على نفسه بالانتحار ..
دمت طيباً وبألف خير ..
مع التحية ..

hasona يقول...

ملل - تتردد الكلمات بين شفتيه -تطير مع دخان السجائر تتحول إلى فكرة أو عادة سيئة

ومن ثم تمتزج الكلمات

اسامة يس يقول...

ربما ينصهر بالكلية.. ليكون الابداع... حالة من التوهج الداخلي.. أو ربما أزمة كتابة.. وهواجس ميلاد جديد..
عبرت عنها جيدا
سلمت يمينك

شمس النهار يقول...

ياصباااااح
الحاجات اللي مالهاش دعوه ببعض
:)

كلنا اليومين دول هذا الرجل
الفرق
هو عنده سيجاره احنا لأ

Salma Hesham Fathey يقول...

جميلة وبشدة

طازجة التعابير ومحسوسة جدا ..

دائما ما يخرج الانفعال اجمل الكتابات أو هكذا أظن :)

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

احيانا عندما يصل الكاتب حد الابداع يثقل بالهموم لانه دائما يبحث عن الافضل وعن الجديد لقلمه وذاته

وعندما ينال منه تعب البحث يشعر بالملل والضجر الذى يحيله لحالة من الدخان هش الاحساس والشعور لا يحتمل الحياة بما فيها من اوجاع

واذا اتحد عليه القلم والحياة يكون الوجع اقوى واعمق

اجمل ما فى كتاباتك سيف التدوين انك تعطى فرصة لكل قارىء يفهمها حسب رؤيته الخاصة وتحتفظ انت بالنهاية بحقيقة الفكرة والمعنى :)



تحياتى لك اخى العزيز بحجم السماء

ضياء عزت يقول...

رااائعة القصة جدا يا دكتور مصطفى.. كنت بقرأ وأنا شايف قدامي المشهد بالكامل


بالتوفيق دايما

شهرزاد المصرية يقول...

صياغة رائعة جدا لمشهد مألوف يمر به كل من يكتب
و سواء كان الاحتراق مع سيجارة أو فنجان قهوة أو حتى الاحتراق بنيران الشخصيات الداخلية فهو يحدث لنا جميعا بطرق مختلفة
تحياتى لابداعك

أسماء فتحي يقول...

سرد متقن لما يحدث حال الغضب في الغرف المغلقة

احسنت الصياغة وأتقنت الصياغة

تحيـــاتى
Asmaa Fathy

د.آيه يقول...

السلام عليكم

أفهمك تماماً
جميل أن يعبر الإنسان عن جميع مشاعره و يصوغها في شكل عمل أدبي رائع حتى و إن كان هذا الإحساس هو الملل و الضيق .

تحياتي دكتور مصطفي