(أقسم أنه لن يقضي الليلة في مخدعه , هذا وعد عليّ و أنا حين أعد أفي )
قالها بينما يستشيط غضبا , احمرار وجهه يصبغ عينيه بالدماء , و يحمل بيده معولا يلتمع نصله في ضوء الظلام الخافت حوله أما جسده فيتشح بالسواد و وجهه لا يكاد يَرى إلا إذا اقتربت كثيرا , كان ينظر إلى الجثة المسجاة على أرضية الحجرة , جثة تشبهه كثيرا يقترب منها بتؤدة , يتأمل الثقب الذي يتوسط جبهته بينما الدماء تتناثر حوله دماء تحمل نكهة الأفكار
- هكذا ببساطة تموت أفكاري مجرد ثقب في الجبهة - هكذا حدث نفسه -
ثم هبط ببصره لأسفل قليلا ليتأمل ذلك الثقب الذي في صدر الجثة ثقب نافذ للقلب بينما الدماء تتناثر من خلاله , دماء بطعم الأحلام .
-هكذا ببساطة تموت أحلامي مجرد ثقب في الصدر (ما زال يحدث نفسه)
ثم اقترب يتنسم رائحة الميت و يحدثه بحزن : أتدري ؟ لقد كنت أحبك رغم كل شيء رسمت لك طريقا للحلم في قلبك ربما أحلاما قاتلة لكنك صدقتها , و رسمت لك دربا للأفكار في رأسك ربما أفكارا غير مشروعة لكنك شرعتها و سرت بي و معي و مني , أفتقدك كما يفتقد النحات صلصالته , و أحبك كما يحب الرسام لوحته البيضاء قبل أن يدنس طهرها و يفرح لما صنع و يقنع نفسه أنه ابدع .
نعم انا دنستك و أفخر بذلك و لماذا لا أفخر و هذا عملي و قد قمت به على أكمل وجه , لقد صرت أنت كما صنعتك أنا سارقا , زرعت في قلبك حلم المجازفة و وضعت في رأسك فكرة المراوغة بينما ظللت اراقبك بصمت ماذا تصنع , لكن ما نسيته يا صديقي أن ازرع في روحك الخيانة لاصدقائك , هذا خطئي و سأكفر عنه عهدا عليّ أمامك ألا تمر الليلة إلا و هو معك في ذات العالم .
كان هذا تأبينه لصديقه و لولا أن عينيه الحمراوتين جافتان لا تحتويان على دموع ربما كان سيبكي , هل يبكي الرسام يوما على لوحته البيضاء ان تمزقت , ام ان بكائه فقط على ألوانه المدنسة , فلوحته جزء من روحه الظلماء
روحه الشيطانية كانت تراقب في صمت الرجل البشع الذي ينظر إلى مسدسه يتعالى من فوهته خيط دخان بعد أن أطلق رصاصتين إحداهما قتلت الأحلام و الأخرى قتلت الأفكار , فنفخ الدخان ووضع سلاحه الناري على الطاولة و جلس بينما رفع الحقيبة التي بيمينه و التي انتزعها من القتيل ليضعها على الطاولة ليحاول فتحها .
بينما هو يرفع معوله بجوار كتفه و يقترب نحو الرجل البشع و الغضب بركان تتصاعد نيرانه لتصل لعينيه فلا يرى غير ما يصوره له الغضب , لقد اختطف ذلك الرجل صلصالته التي يشكلها كما يريد بإتقان , و هذا ما لن يغفره أبدا .
رفع المعول عاليا و صوبه نحو رأس الرجل و حين اقترب النصل اللامع من الرأس كي يجتث أفكاره , أوقفته يد قوية عن إتمام ذلك .
اندهش و تعجب (كيف تسنى له ان يراني ؟ ) لكنه لم يلبث أن تفهم إن اليد التي أوقفته هي لكائن مثله خرج من جسد القاتل و صوته يهتف : لن أدعك تجتث رأسه , إنه جهد أعوام مضنية
- لكنه قتل صلصالتي
- هذا خطئك أنت لم تحذره
-اذاً أنت من حثثته على فعل ذلك ؟ لن أتركك
رفع معوله عاليا ليحاول أن يقتل الكائن الذي يشبهه فيوقفه الآخر بمعوله , دوي المعاول أعظم من صليل السيوف و رغم ذلك لم يسمعه القاتل فقط جالساعلى طاولته يحاول أن يفتح الحقيبة .
حمي وطيس المعركة بين الكائنين تناثرت الدماء النارية هنا و هناك تعالت الصرخات و خيوط الدخان تحطمت المعاول كل ذلك قد حدث بينما القاتل مازال جالسا على طاولته يحاول أن يفتح الحقيبة
ثم نظر القاتل إلى القتيل و قال له بدون اكتراث و بسخرية متشفية : صديقي , أرجو ألا تغضب مني إن الأمر ليس شخصيا , لكنه يجب أن تموت , حتى أحصل على المال كاملا , هذا عملي و أنا أقوم به على أكمل وجه, أتدري ؟ رغم أنه عمل إلا أنني لا أخفي عليك أنني استمتعت كثيرا و أنا أقتلك .
توقف الكائنان عن القتال حين استمعا لما قاله القاتل , و ضحكا نعم ضحكاً هيستريا بل و جلسا يتسامران لقد تشكلت الصلصالة في قالبها الذي أراده النحات و لم يعد هناك معنى لتواجد أحدهما معه, فليتركا تحفتهما الفنية و يرحلا .
ضحكا ضحكة مريرة فهما الآن صارا عاطلين بلا عمل , حملا معوليهما المتكسرين و رحلا بعيدا نحو العدم يبحثان عن شيء ما ينتظران به الفناء ربما يجدان صلصالة أخرى يوقظان فيها القاتل الذي بداخلها و يتركانه .
بينما القاتل ما زال جالسا على الطاولة يحاول فتح الحقيبة التي تعثر فتحها دون جدوى.
30 التعليقات:
بصراحة مفهمتش أى حاجة ! !
السلام عليكم...
لا أدعي أنني فهمتها تماما، ولكن على الأقل وصلت لنسبة معقولة من فهمها بعد قراءتها للمرة الثانية!
الأرواح الشريرة لا تتصارع بالمعاول يا صديقي.. بل هي دائما متآلفة ومتعاونة، وبرغم ذلك فلن تموت الأفكار ولا الأحلام أبدا بإذن الله.
فلسفة عميقة جدا جدا، لا يملك فك طلاسمها إلا من كتبها!
تقبل تحياتي..
اخى سيف على مبلغ فهمى
المقصد وان كان غامضا فالروح الشريرة تبدأ دائما حين يقترب الانسان من اللاقدرة على التحكم نجدها فى الجماد الذى اراد صاحبه ان يحييه وى النهاية تحيا على موته بعد ان يكون قد سلبت منه كل اراده مثله مثل ا صنام الصلصال التى يصنعها وتغادرها بموت صاحبها لكى تصاحب غيره
فلسفة يحتاج فهمها الى من مر بهذه الظروف وعاش فى ارجائها
دمت يا سيف
قد يكون القاتل هو عمله
اظنك قصدت ان عمله وشيطانه هم قاتلوه
تحيتي يادرش
صديقي العزيز
وضعت تعليقا ولا اعلم اين ذهب
قلت فيه اظن انك تتحدث علي ان عمله هو قاتله
وقد احبه عمله لانه
اتقنه
تحيتي يادرش
مش عارف الصراحة بس واضحة
ربما الارواح لا تتصارع لكن الشياطين بداخله تفعل كل منهما يريد لصاحبه ان يبلغ اقاصي الشر حتى لو على حساب اشرار آخرين
اما عن الأفكار و الأحلام فان الباقي منها ما فيه النفع اما تلك التي لا تنفع الا شيطانها فانها تنتهي بموت صاحبها
اشكرك يا صديقي
صدقت يا استاذي الروح الشريرة تؤول بالانسان الي اللاقدرة على نفسه و مع الوقت حين تتشكل الصلصالة في قالبها و يعم الران قلبه و تصبح المعصية عادة يتحول الانسان نفسه الى شيطان و بالتالي ليس هناك عمل للشيطان ذاته لديه
اشكرك يا استاذي نورتني
عمله و شيطانه قتلوا روحه
اما قاتله فهو مثله له شيطان ساقه الى القتل و بعد ان قتل صار شيطانا حين استمتع بالقتل
اشكرك يا صديقي
نعم يا صديقي التعليق موجود
و صدقت حين احب عمله و استسلم للمعصية صار هواه لها يقوده دون الحاجة لشيطان
السلام عليكم
هو الصراع الداخلى للنفس البشرية التى تحمل فى كينونتها كل المتناقضات
الخير والشر ...الندم والغرور والعناد... الطموح والأمل والتفاؤل مع الاحباط والشعور بالهزيمة ...صراع كل هؤلاء مع الجسد الذى يحتويهم جميعا
هكذا فهمتها وتأثرت ببعض كلماتها.. لكن ممنوع النسخ هنا :)
حين تتصارع الروح الانسانية تشعر بالتعددية فى حوارها مع صاحبها
اسأل الله ان اكون قرأتها بشكل صحيح ومفهوم قريب
بالنهاية هو ابداع راقى و بها جمل كثيرة أثرت بنفسى جدا خاصة السطور الاولى من القصة .
تحياتى لك اخى الكريم
وجزاك الله خيرا
نسيت احييك على اختيارك للصورة :)
وصلتنى منها فكرة ان الشر لما بيتمكن من انسان بيبقى سلم روحه للشيطان ودى لحظة موته الحقيقيه
مش عارفه اللى وصلنى صح ولا لاء
عندما تتمكن الشياطين ربما يتحول الانسان الى شيطان اكبر واكثر شرا
فلسفيه
ربما يكون هناك تأثير للنشأه فى مكان يكثر فيه القتل والدم وبالتالى الشر؟!! لا اعلم :)
لكنها عميقه وتحتاج التركيز
دمت بخير أخى
اللى وصلى منها ان الموت فيها معنوى اكتر منه مادى
دايماً بتجبرنا نقرأ اللى بتكتبه أكتر من مره سواء لانه جميل اوى او لانه محتاج يوصلنا فكره معينه
فى جميع الاحوال انا بستمتع باللى بتكتبه دايماً :)
اخى العزيز
حظى وحش جدا انى قرات القصة بعد يوم منهك بهتافات و مسيرات امام قاعة المؤتمرات من اجل الدستور
صديقى الشر يظل كامنا ما لم يجد من يحركه او يحمله ليخرج به
لعن الله من يزرع بزرته وو للاسف اغلب من يزرع الشر لا يجنيه و لكن يحصده و يجنيه الاخرون
مش عارف انا بهيس و لا ايه لكن ده انطباعى و اعذرنى لارهاقى
رائعة كالعادة
تحياتى
غامضة يا مصطفى ومرهقة في قرأتها، رغم حبى لهذا النوع من الأدب الذي يشركك رغم انفك في إبداع العمل من جديد بـتأويلات جديدة ربما لم تخطر ببال الكاتب نفسه، الا ان هذه القصة زاد بها هذا القدر من الغموض، لتجعل قارئك يشعر بالضآلة امام ما تكتب
وجهة نظر ربما لا تكون صائبة لكنها تبقى وجهة نظر
دام قلمك مبدعاً
بداية أعجبني وصفك للدماء، مرة بنكهة الأفكار ومرة بطعم الأحلام، ثم عجز الإنسان أمام نفسه بل ذواته المختلفة وشياطينه
تسلم الأيادي
كل شيء مرمز .. قد يبدو مبهم لكنه واضح
يعرفه ذاك الشيطان الذي يحتل جسد القاتل
عشقه لعمله قتله
وأراد أن يمثل في جثته
ما أود اضافته أن حادثتك هذه تمثل خطاب نفسي فلسفي عميق
وخطاب مع الذات
فالقاتل هو ذاته المقتول
هكذا فهمت
أو ربما ابتعدت كثيرا
لقلمك الجميل كل التحيات
توقفت كثيرا امام رائعتك (دوي المعاول) وعلى قدر فهمي كان استقبالي لها عظيم وجلست في حيرة من فك رموز المعول ومحاولة في سماع دويه فجائتني الحلول كثيرة سأذكر فقط أول من زارني منها ...
المعول عندما يبني يكن دويه خفيفا لطيفا لاتحسه سوى الأرض التي يضربها ليعلوا بالبنيان كذلك هي أحلامنا الجميلة التي تبني تعلوا بنا في صمت وسكون ....
وعول الهدم صراخه كدقات طبول لتحميس رأسه لتضرب وتقصف وتهد ... كذلك حال شياطيننا وغرائزنا السوداء الدفينة عندما تاكل في جدران القلب يكن دويها أعلى من نذائر الشؤم وأشد من صراخ الندابات فينفضح سوء الحلم وسواده ويبقى المعول واحد وان تعددت نواياه ... صديقي الحقيبة المستعصية الفتح عصفت بحلم هذا الرجل في كنز يقعده عن جهد وحسبان احلام ضللته ومعولها قبره وأصبح صوت نعيه نذير قتل ... رائع (اهمسك بالاستمرار في مثل هذه النوعية من القصص الرمزية ... تحياتي لك صديقي
جميلة يا مصطفى سلمت يداك..رغم أنها غامضة شوية لكن أعجبتني جدا
رغم الأجزاء الرمادية الكثيرة والتى قد تحتمل أكثر من تأويل ..هى مُبهِرة عزيزى مصطفى بلا مبالغة .. مُبهِرة فعلاً ويجوز تطبيقها على العديد من المواقف الواقعية الحياتية الان ... شكراً للحظات الإستمتاع تلك
مليانه غموض ومحتاجه فك طلاسم لحلها
وانا فهمى على قدى يا مصطفى
المره الجايه عايزين حاجه سهله يا دكتور
تحياتى
قصة تروي لحظات موت وحياة وفناء ووفاء فهي رغم غموضها إلا أن لها وقفات في النفس أبدعت عزيزي وتحياتي الصادقة
سرد راقى دكتور
استمتعت جدا بقصتك الرائعه رغم الغموض
الذى يخيم فى سمائها
ولكنى تمكنت من حل بعض شفراتها
فاندهشت لابداعك
تحياتى
http://anahora.blogspot.com/2012/03/2012.html
تدهشني افكارك
بتبرمج شخصيات قصصك بطريقة غريبة
ساعات بفهمها وساعات لأ
:)
الشنطة دي ايه يامصطفي
مش معقول الدنيا
:)
هل تتحدث عن اسرار الحياة وكيف يكون مصيرها ؟!..
وتلك الروح الشيطانية في كل انسان حين تجمل له الأخطاء وسرق احلام الغير
لا أعرف وقفت اتأمل كثيرا كلماتك ومغزاها ..
وعلى كل حال هناك الجميل والذي أحبه دائما في طريقة سردك للقصص وهو الخيال الجامح الذي يكمن خلف حروفك..
بصراحه مفهمتهاش من اول مره .. حسيت انى توهت اول مره لكن ف المره التانيه فهمتها
عارف يادكتور مصطفى .. انت بتفكرنى بتوفيق الحكيم .. مش بعرف اقراله حاجه وماافكرش لازم بعد مااقرا افكر كتييييير ف كتابته
ساعات التلميذ بيتفوق على استاذه والقاتل تفوق بجداااااره على ارواحه الشريره
حتى دايما بيقولوا ان الجهاد الاكبر هو جهاد النفس وان الشيطان ممكن تتغلب عليه لكن نفسك الشريره والااماره بالسوووء هى اللى بتحتاج مجهود عشان تتغلب عليها
عجبتنى فلسفتك اووووى .. انا الخسرانه عشان بغيب عن عالم التدوين :)
دمت مبدع :)
غامضة بعض الشئ لكنها جميلة للغاية
دمت مبدعا :)
إرسال تعليق