ابي ايضا كان ينتظرني عند خروجي من النيابة لكنه وقف بعيدا حتى انهي كلامي مع حسناء بعد ان رأى خطبتي تنفسخ امام ناظريه
هتف بي
- لقد فضحتنا كيف تجرؤ على ان تضع راسنا في الوحل
- لم افعل ذلك يا ابي ولم اقل الا ما رايت وما عرفت
- جدي عبد العزيز اختفى عام 1938 اي منذ اكثر من سبعين عاما كيف تراه الآن لو هو حي حقا فان عمره قد يتخطي المائة والعشرين عاما
- اقسم انني رايت جدك يا ابي اقسم انني رايته يقتل .... يا ابي البحر لم ينادي جدي و جدي لم يلبي نداء البحر.... نعم كان حلمه ان يصل للشاطىء الآخر لكنه لم يغرق
الم تخبرني قديما يا ابي ان هناك رجلا كان صديقا لجدك عبد العزيز وكان يقسم انه لم يلبي نداء البحر وانه يملك قصرا منيفا فاخبرني اين اجده
- تجد من؟
- ذلك الرجل
- انور النشرتي؟ ...... هل انت مجنون بالتاكيد هو مات
- اين اجد ابنه او حفيده اي احد منهم
- حسنا سأتبع جنونك الى ما لانهاية حسنا سأدلك على حفيده الشيخ بلال
كالعادة وحيدا اكمل الطريق حتى صديقي توقف عن مجاراتي في الجنون رغم ان كل ذلك بسبب اقتراحه بالذهاب للقصر المهجور لكن حينما وجد مستشفى امراض عقلية وحجز ونيابة توقف عن مناصرتي تاركني وحدي اكمل الطريق ابحث عن الحقيقة
المسجد يلوح من بعيد تمضي خطواتي نحوه ... ربما لو كان مسا من الجن ما يعييني ربما يتم شفائي داخل المسجد
خطواتي تتسابق صلاة العصر اقيمت
اصلي في خشوع ربما ينجيني ربي من كل ما انا فيه من اضطراب بين الحقيقة واللاحقيقة بين المنطق واللامنطق
- اسمي صلاح الفارس جدي عبد العزيز الفارس اتسمع عنه؟
ابتسم الشيخ بلال ابتسامة عريضة
- اهلا بالكريم ابن الكرام بالطبع اعرف جدك وعائلتك باكملها اننا قد تربينا معا في بيوت واحدة انور النشرتي و عبد العزيز الفارس كانا روحا واحدة في جسدين كلا منهما مستودع اسرار صاحبه
- حسنا ربما هذا يقرب عليّ الطريق لقد رأيت جدي عبد العزيز يشرب كوبا للشاي في القصر المهجور فيسقط ميتا ورايت جودت بيه يدفنه فما رايك في ذلك
- رأيت ذلك يقظة ام مناما؟
- بل يقظة ورآه صديق لي كان معي
- انه يتوافق مع ما قاله جدي لقد كان دوما يتغنى بجدك ودوما مسار حديثنا صباحا ومساء واذكر انه قال لي انه كان شاهدا على رهنية ذلك القصر على جودت بيه لصالح عبد العزيز
- انا لم اقل لك شيئا عن الرهنية
- لكنني انا اعرف ..... جدي قال لي ذلك .... كن موقنا ان ما رأيته صحيحا عندها فقط ستعرف كيف تصل الى هدفك الايمان وحده يجسد الحقائق وبلا ايمان لا توجد حقيقة
- لكن اليس ذلك ضربا من الجنون ان ارى مشهدا بعد حدوثه بسبعين عاما
- كلا انها الحياة دوما تحمل لنا اشياء عجيبة وترينا من المواقف الغريبة كي نؤمن اكثر بالغيبيات ونعرف اكثر واكثر عن قدرة الله
- نعم يجب ان امضي في طريقي حتى اصل للحقيقة
- الحقيقة بداخلك انت ولن تجدها خارجك الحقيقة معك انت فقط ولن تقابل من يفهمك .. يجب ان تعي الدرس ... حين تخوض البحر يجب ان تأخذ حذرك وتوقن انك ستصل الى الشاطىء .... عند الشاطىء ستجد نفسك
بحر وشاطىء وغرق مرة اخرى ومازالت العملة المعدنية تتقلب في الهواء لم تصل ابدا الى مقرها الاخير حتى تتضح العلامة ملك او كتابة
جمعت اذيال الشك ووضعتها في حقيبة النسيان ورميتها في البحر بعيدا وسلحت نفسي وقلبي بايمان لا يتزعزع بما شاهدت بعدما رأيت الشيخ بلال فقد تحول شكي الى يقين ان ما رايت حقيقي
قادتني اقدامي الى نقطة البداية الى القصر المهجور مرة اخرى فحين تعييك التفاصيل يجب ان تخوض التجربة من جديد وتعود لنقطة البداية ربما تجد تفصيلة تعينك على اتمام الطريق
دخلت القصر وجدته هادئا كما تركته ليس به احد هجرته الطيور كما هجره البشر لا اعرف ما الذي يمكن ان افعله هنا
صرخت : اين انتم؟ تعالوا افهموني اصرخ بصوت اعلى : جودت بيه اين انت قد اتيت لكم برغبتي
واصرخ واصرخ كالمجنون دون ان يجيبني احد
وفي زمرة يأسي قررت ان ادخل القصر ربما كان بالداخل شيء يثلج صدري
تحايلت على احدى النوافذ وقفزت منها الى الداخل
لا يوجد شيء تراب وغبار يملآن المكان وعفش يدل على ثراء القرن الماضي لكنه يفتقد الحياة
قادتني اقدامي الى حجرة المكتب فتحت ادراج المكتب ابحث عن اي شيء عن اي ورقة احدث نفسي هو بالتاكيد احرق ورقة الرهنية فعن ماذا تبحث
لكن حتى هذا الهاجس لا يوقفني .. فقط ابحث
وجدت خزينة كبيرة بجوار المكتب.... لم اهتم كثيرا بان اقضي باقي عمري في السجن يلقبونني بالسارق ... لذلك حاولت ان افتح الخزينة بالعنف حاولت كسرها دون جدوى امسكت بمقبضها وحاولت ادارته
لكنني رايت مفتاحا يوضع في ثقبها وتقوم بادارته يد لم تلبث ان توضع فوق يدي التي على المقبض - دون ان اشعر بلمسة اليد - وتقوم بادارة المقبض وتفتح الخزينة .... انظر برعب الى صاحب اليد انه جودت بيه
ارى اوراق الرهنية امام عيني امد يدي لامسكها لكنني لا امسك الا الهواء ... لا استطيع الامساك بها
وفي ذهول مني رايت جودت بيه يمد يديه ويمسك بالاوراق
لم يرني او يشعر بوجودي بالرغم انني اقف بجواره
قالت له زوجته التي تقف بجوار باب المكتب : هل ستحرقها؟
- كلا بالطبع
- لماذا لن تحرقها؟ هل تخاف من النار؟
- ابليس نفسه يخاف من النار لكنني لن احرقها لأنه ربما يأتي يوم يصحو فيه ضميري واعترف فيه بفعلتي واعيد القصر لصاحبه
- ما دمت تعترف انك اخطئت لماذا تعاند؟ لماذا لا تتوب الآن؟
- انها النفس يصعب ترويضها ولا اقوى على مقاومتها اجدني ضعيفا ان اعترف بذلك
- لماذا اذاً اخذت الاوراق من الخزينة
- لأن اولادي اول ما سيفعلوه بعد وفاتي هو تفتيش الخزينة واخاف ان يجد احدهم الاوراق فيحرقها كي لا يؤخذ منهم القصر فيشاركني الذنب رفقا باولادي سأخفي الاوراق في مكان آخر حتى يظهره الله
نظرت الزوجة بنظرات شك مريبة الى زوجها حاد الملامح الذي يجمع بين الخير والشر بين الذنب والتوبة الا ان الشر اوضح فيه والذنب اجلى ... لكنه ما زال بشرا لا يقوى على مقاومة نفسه و يعميه الرجاء في العودة الى الله بالتسويف ولا يستطيع الندم بالرغم انه يعلم انه مخطىء وما زال يشفق على اولاده
غادرا الغرفة وانا خلفهما بل بينهما ان جاز التعبير اراهما يصعدان الى غرفتهما امسك بعمود السرير وقام بتفكيكه ووضع بداخله الاوراق وقام بتركيبه مرة اخرى ثم اختفيا كأنهما مجرد دخان
اصبحت وحيدا بالغرفة فككت العمود اخذت الاوراق ونزلت من الغرفة في طريقي للخارج لكنني وجدته على منضدته ... وجدت جدي عبد العزيز .. امامه فنجال الشاي لكنه هذه المرة نظر اليَّ نعم نظر مباشرة في عيني وابتسم لي .. انه يراني .. لم يرتشف الشاي مرة اخرى بل نبتت له اجنحة بيضاء وطار بعيدا ربما الي الشاطىء الآخر من البحر
لم اذهب الى البيت مباشرة بل ذهبت الى المهندس طلعت شيء ما بداخلي كان يقول لي ان طلعت ليس كجده لا يقبل على نفسه حراما شيء ما بداخلي يرتاح لطلعت ربما كتبت على نفسي اقرارا بانني لن اتعرض له ربما سأقضي بقية الليلة في الحجز لكنني مؤمن بحدسي سأذهب الى طلعت
- مرة أخرى انت؟
- نعم انا صلاح الفارس مرة اخرى لكنني هذه المرة لن امسك بتلابيب قميصك ولن اقل لك خرافات او تهيؤات فقط ساعاملك بالماديات
لقد وجدت ورقة الرهنية ولكن عدني ان ثبتت صحة الاوراق ان تعطيني القصر
- أتظن انني اقبل على نفسي قصر شيد على باطل؟ وهو في الاصل مهجور لن اسكنه ولن استطيع بيعه لوصية جدي ... اعدك ان صدقت اوراقك ان اعطيك القصر ولكن عدني ان تحتفظ بما رأيت سرا ولا تتكلم فيه اكثر من ذلك حفاظا على حرمة جدي
- اعدك
و الآن صرت مالكا للقصر المهجور
اصبح لصلاح الفارس املاكا ولم يصبح نكرة ... اصبح لصلاح الفارس قلبا يقوده وعقلا وظيفته فقط ان ينير له الطريق
قال لي ابي يوما : صف لي جدي عبد العزيز
- ان جسمه ممتلىء قليلا له شارب عريض وتوجد بجبهته اثر للسجود وعينيه قويتان تشعر انهما يحملانك بعيدا الى حيث لا مكان طامحتان في الغد لقد تعجبت حين رأيته كيف لمن يملك هاتين العينين ان يلبي نداء البحر
ابتسم ابي وقال لي : صف لي جودت بيه
- كل ما اذكره انه كان حاد الملامح
- هل كان بوجهه شارب؟
- لا اتذكر هناك بعض البشر تسقط من الذاكرة ملامحهم ولا يتبقى منهم الا مجرد انطباع ... ولكن دعني اتأكد
اتصلت بصديقي : ابي يسألني هل كان وجه جودت بيه يحتوي على شارب
اجابني اجابة مدهشة فقد قال : ملك يكون له شارب كتابة ليس له شارب
لم استطع ان امنع نفسي عن الضحك من تلك الاجابة لقد اصبحت عملة معدنية تتحكم في ملامح جودت بيه
صار ضحكي قهقهة ثم لم يلبث ان اصبح ضحكي انفجارا
حين قال صديقي : كتابة
تمت
11/7/2011