أتذكَر زخات المطر حين كانت تصدر ايقاعا ساحرا على زجاج نافذتي حين كنت صغيرا . كم كنت أعشق المطر
حين استمع لذلك الايقاع لا اتمالك نفسي فاركض في الطرقات فاتحا ازرار قميصي كأنني عاشق التقى بمحبوبته بعد هجر سنوات فيريد ان يملأ كل ذرات جسده بعبيرها يريد ان يتنسم فيها الصباح بل يريد ان يلمس بها انفاس الصباح الاولى الطاهرة التي لم يلوثها البشر
اعشقك ايها المطر ايها الماء المبارك الطهور ...حتى انني اريد ان أملأ جوفي بمائك الذي يعيد الحياة لارضنا المتشققة المتسخة بالنفاق والرياء والطمع والكذب بل المتسخة بنا فيغسلنا ويطهرنا من كل دنس
لا ادري لماذا اصبحت عزيزا ايها المطر لماذا هجرتنا ايها المطر؟ من يروي ارضنا المتشققة بعدك
بحثت عن اجابة في قلوب العجائز المتجلطة بالدماء الفاسدة واحلام الشباب النازفة من قلب ادمته طعنات غادرة بل بحثت في دموع الاطفال البريئة التي تختلط بارضنا المتشققة لتنمو اشجارا بلا اوراق اشجارا يابسة تلعننا كل لحظة
و اتتني الاجابة ان الرياح التي تمر بنا رياح يابسة لا تحمل معها الخير
وهل نظل اسرى لريح يبوس لها وجه عبوس؟
لذا خرجنا و ثرنا لذا صرخنا هتفنا في الريح ان لم تكوني ريحا ممطرة تروي ارضنا لتنمو اشجارا ذات ثمار فاننا سنروي الأرض بالدماء
لذا كانت البروق تسطع في الميدان ليتساقط مع كل لمحة برق دماء ذكية و تتصاعد للسماء روح طاهرة و ننتظر المطر فلا تمطر
نستحث الرياح ان تحمل معها بذور السعادة ومطر الخير فلا تأتي
وبعد يوم عاصف ساد الصمت
ساد الهدوء ارضنا هدوء كالموت
تسائلنا ما سر الهدوء؟ هل اخذ احدكم من الريح موثقا؟ هل ستمطر؟
لكن لا مجيب فقط الصمت .. وننظر للسماء نستجدي السحاب
لكن لا مجيب
تشققت الارض اكثر ساد الجفاف اكثر وماتت احلام اكثر وتوقفت قلوب اكثر و رحلت فراشات عن بستاننا الذي صار بلا ازهار وغادرت الطيور شجيراتها التي صارت بلا ثمار وتساقطنا واحدا تلو آخر حين جفت دموعنا لتعلن ان الماء سلعة صعبة في ارض عاشقة للجفاف
حينها اتى سحاب كثيف
لماذا شعرنا بالخوف لماذا فتحنا مظلاتنا ؟
ربما لاننا لم نعد نثق بالمطر ... خبراتنا مع البروق جعلتنا نخشى الحلم
لكنني ما زلت على ايماني لذا اغلقت مظلتي وفتحت ازرار قميصي وركضت في الطرقات استحث قطرات المطر ان تروي جفاف قلبي الذي صار يخاف القادم
قال لي : ما يدريك ربما لا تمطر ماءا ؟ ربما كانت دماء اخرى فهل ستواجه الدماء بصدر مفتوح؟ اعتصم معي بالمظلة فأنت لا تعرف ان كانت هذه الرياح شرقية ام غربية؟
هتفت : لا عاصم اليوم من أمر الله ... ولا شرقية ولا غربية بعد اليوم ....سأواجه المطر حتى لو قتلني حتى لو سالت دمائي لتخضب الأرض سيأتي على الأرض لحظة تبتلع فيها نهر الدماء حينها ستثمر أطايب الثمار ... ثمار لها ارواح ... ثمار هي قناديل المستقبل