الأربعاء، 27 فبراير 2013

لا بداية و لا نهاية




ليش
صيف السنة انتهى بسرعة و احمرت أحراش الغار
و المرة اللي شعرها أحمر مثلن شعلانة بالنار

على أنغام الصيف المبهجة و تحت شجرة الكرز البهية  تتشابك أيادينا و تختلط أنفاسنا  فيعانق ذراعه خاصرتي و نرقص  و نرقص  أدور بين أصابعه كقطعة حلوى تنتظر أن يتلذذ بامتصاصها و تتلذذ هي بأن تصبح بداخله جزء منه 
لم نكن نعلم أن الصيف هو سيمفونية تنتهي سريعا ، فما تلبث السماء أن تصطبغ مثل شعري بالأحمر الدماء تتساقط من أوراق الشجر ، قلوبنا المحفورة في جذوعها تتلوث  بالأحمر  الذي تسكبه  عيني 

لا بداية و لا نهاية و الوقت مارق غريب 
متل مروري بأفكارك لحظة تلمع و بتغيب 

اصنع في الأرض حفرة و أبحث عنك بداخلي لعلي أجدك ، أو تجدني ، ألقي نفسي بداخل القبر أنتظر موتي بصمت  ، يقتلني خاطر يستجديني كل لحظة هل هو يستحق كل ذلك؟ هل ما زال يذكرني؟
أتذكر كيف كانت شفاهنا تضع نفس العلامات على نفس الكأس و أضحك حد البكاء كنت لك سنا برق يختفي حين يظهر و كنت لي  سنا حياة أموت حين يخبو 

يا عصافير السهل الجاي تبشر بشتا تشرين 
وجوه و أسامي في بالي حدا يذكرني لمين
الدنيا حلقة و عم بتدور 
و القمر بالسما بيدور  
من بعيد أراقب الطير القادم من الغرب يحتفل بموت الشمس ، أركض نحوه أمد ذراعي إليه ابحث بين اصابعه عن رسالة يحملها منك  
 أتدري ماذا تعني الخيبة ؟ هي ألا تقوى اصابع الطير على حمل رسائلك فتسقط منها  و اسقط معها في بحار الضياع صارت حياتي ذكرى تختلط فيها الوجوه  ، أحاول انتشال ما تبقى مني لكنني لم أعد حتى أراني 

صيف السنة نطرنا القمر ع السطوح السهل ليطل
و هدينا عقارب الساعة خايفين الوقت ليفل 
ما في قوة بهالدنيا بتأخر هبوب الريح
شعرك و الكرز و اللوز بأول الموسم تلويح
يا عصافير السهل الجاي تبشر بشتا تشرين 
وجوه و أسامي ببالي حدا يذكرني لمين

أتدري ما هو القتل ؟ ليس أن ترتضي دخول القبر الذي حفرته بيدك و ارتضيته لنفسك  في صدر أحدهم ، القتل هو أن تخرج من ذلك القبر  لترى  عيون العالم السوداء مصوبة تجاهك ، حتى القمر عين سوداء تلتمع في الظلمة مثلك أنت أحب النظر إليك و تعشق أنت قتلي ، لا شيء يستطيع أن يوقف السهام حين تستنزف قلبك تسقط و شعرك الأحمر يصطبغ بدمائك الحمراء مع أوراق الغار الحمراء فتصبح أنت لا شيء فقط بقعة حمراء تشوه السهل 
أنت حولي و أنا حولك في شي جاذبنا و بندور
صيف انتهى ما قلتلك شيء بيزعل ليش زعلان
العشاق بتبقى اساميهن على الموج و ع الشطئان
سامع متلي صوت الجرس ما ادري بأي وديان
عم ينده لحدا ضايع بدو يدله ع البيبان
مطرح صابيعك على كتفي عم يحرقني من أيام
يمكن لو تبسلي المطرح تهدى أوجاعي و بتنام
أتدري ما هي المنية ؟ ليس حين يموت الوقت بل حين تتداخل الأزمنة لديك فلا تعرف متى رحل و هو بجوارك حولك في كل شيء ما زال اثر اصابعه  الباردة تدغدغ جيدي  ، أتألم حين يبعد اصابعه عني أستجديه أن يقبلها كي تنطفىء ناري 
أصرخ و أنا أراك تدور بعيدا عني كالقمر يا حبيبي بعيد فتبتعد أنتظرك كل يوم كأن اليوم هو الرابع عشر و لكن الرابع عشر انقضى منذ سنين و لن يعود فتصنعك عيوني بدرا غير موجود و على ضوئك أزهق دمائي 
بمرق ببالك و بروح 
مين بدو يداوي الجروح


-------------------------------------------------------
الأغنية لهبة طوجي و كلمات منصور الرحباني http://www.youtube.com/watch?v=6BMAb3pDczg&noredirect=1
هذه التدوينة تضامنا مع شيرين سامي في حربها الشعواء ضد ابراهيم رزق :)
تحديث : فيديو الأغنية مكنش راضي ينزل على بلوجر الصبح





الاثنين، 25 فبراير 2013

ترابيز



أحيي الجماهير بإيماءة من رأسي و انحناءة باسمة ثم أنظر تجاهه في الطرف الآخر ، أقول له بصمت : أضع حياتي بين يديك .
أقبض على العارضة الخشبية بأناملي الضعيفة التي لم تُخلق للتشبث ، أتأرجح مرتين في الهواء و أنظر نحوه فابتسم و أنا على يقين أنه سيتلقفني ، يحملني ذلك الإحساس إلى الارتفاع متأرجحة حتى أدنو من سقف المسرح حينها أترك العارضة و أسبح في الهواء أتقلب فيه دورتين منتشية و أنا أستعد لأفضل لحظات الفقرة حين تحيط ذراعيه القوية بخاصرتي و ينقذني .أغمضت عيني و حلمت بخمائل الورد التي تظللنا دوما و نحن نرسم على الأشجار قلوبنا و نتعهد أننا باقيين معا ما بقيت الأشجار .
أسقط من علٍ نحوه فأفتح عيني كي تنهل منه و أستعد لعناقه ، لكنه لم يمد ذراعيه نحوي فقط نظر إليّ نظرة بلا اكتراث  و رحل ، الهلع يقتلع قلبي بينما أنا  

أ
هـ
و
ي
عيون الجماهير المشفقة تزيد من وجعي بينما أنا أنتظر أن يبتلعني الموت ، لم تدمع عيني إلا حين أعادتني الشبكة المطاطية إلى الهواء ، تذكرت كيف كنت أعشق الهواء  الذي لا يحمل إلا شذاه و ذراعيه .
قفزة أخرى فوق شبكة الذكريات المطاطية تسقطني في جب عميق  من الألم لارتفع فوق جبال العذاب  ، حينها أحاطت خاصرتي ذراعين
 فاصرخ : حسن؟!!
حسن رحل   فلا تنخدعي ، أنظر نحو صاحب الذراعين فإذا به (عازف)  ، أشعر بوخزة ألم في صدري و على صوت تصفيق الجماهير الفرحة بنجاتي كنت
أ
ت
هـ
ا
و
ى
في غيبوبة بين يديه و وجهي لا يواجه إلا عينيه ، يحملني و يدنو مني قائلا : لا تخافي لن أتركك تتألمي
صدقته ، آمنت به ، من يخوض في ظلال  الموت و يغرق في بحار الألم سيصدق أول ذراع ينتشله ، ابتسمت له  ممتنة و ركضت به إلى خميلة الورد كي أمحو به قلب حسن و أرسم قلبه ، لم يكن ذلك سهلا لكنني فعلته .
في تلك الليلة ارتديت الأبيض  ، تزينت ، وضعت المساحيق بوجهي و طليت شفاهي  بالعسل العذب حتى يرتشفه و أزهرت الورود بوجنتي تنتظره يقتطفها
حين دخلت المسرح  وجدته مكتظا بالجماهير نظرت نحو الشبكة المطاطية ، حدثتها أنني أؤمن بعازف  ، قصصتها من طرفيها فسقطت  و اعتليت السلم 
أحيي الجماهير بإيماءة من رأسي و انحناءة باسمة ثم أنظر تجاهه في الطرف الآخر ، أقول له بصمت : أضع حياتي بين يديك .
أقبض على العارضة الخشبية بأناملي الضعيفة التي لم تُخلق للتشبث ، أتأرجح مرتين في الهواء و أنظر نحوه فابتسم و أنا على يقين أنه سيتلقفني ، يحملني ذلك الإحساس إلى الارتفاع متأرجحة  حتى أدنو من سقف المسرح حينها أترك العارضة و أسبح في الهواء أتقلب فيه دورتين منتشية وأنا أستعد لأفضل لحظات الفقرة حين تحيط ذراعيه القوية بخاصرتي و ينقذني أغمضت عيني أحلم بخمائل الورد
لكن الحطاب لم يترك شجرة إلا اقتلعها ، أنظر نحو عازف كان لا يمد يده بل عزف عني و عزف على جرحي لحن الهوى  القاتل  فنظر نحوي بلا اكتراث و مضى  
نظرات الجماهير الهلعة لم تعد تقلقني فعيني لم تعد ترى أحدا تذكرت قول العرافة الخرفة لي : 
- بنيتي لا تجعلي من قلبك شارعا يطئونه بأقدامهم و أنتِ تشيدين لهم فيه بروجا شاهقة فهم لن يلبثوا أن يلقوا فيكِ قاذوراتهم و يمضون ، لهذا خلقت الطرق و لهذا رصفت الشوارع ، اجعلي من قلبك صحراء جافة حين يقتربون منك تبتلعهم رمالك و تدفنيهم فيكِ فلا يرحلون أبدا
ابتسم حين  أتذكر غبائي  في عدم تصديقها ، ابتسم و أنا أتذكر أنني أسقط  لم أفهم العلاقة بين العشق و السقوط 

هـ
و
ي
ت

ح
ي
ن

هـ
و
ي
ت
اقترب من أرضية المسرح القاسية ، صرخات الجمهور لا تصل لمسامعي و أنا ارتطم بجفاف الأرض و تبتلعني رمالها و أدفن فيها لكن قبل أن أنتهي دنت مني إلتفاتة إلى أعلى لا أرى سوى عارضته الخشبية تترنح و تترنح بلا ذراعين ، يجول بي خاطر أخير أنني لن أكون الغبية الأخيرة فكل لاعبي  الترابيز لا يتعلمون

الجمعة، 22 فبراير 2013

خمسة و خميسة



من خمس سنين كده و زي دلوقت و كان يوم جمعة برضه، بس مش زي دلوقت  بالظبط لأنه كان بعد الضهر  ، اتولد طير الرماد ، هو في طير بيتولد ؟ لا متولدش ده  بقى بيضة قصدي  و فضل بيضة لحد أواخر 2010 لما رجعت للمدونة تاني بعد 3 بوستات كتبتهم من خمس سنين
معرفش ان كان ينفع نقول إن المدونة ليها خمس سنين و لا سنتين و نص  كده أو كده  نحتفل و خلاص  
نحتفل بخمس سنين و انا استنزف من روحي و أحولها لحروف حتى لو كانت مش حلوة و فيها عك كفاية ان فيها مني 
أول تدوينة نشرتها في المدونة رغم إنها مش أول حاجة اكتبها كانت " أطفأت مدينتي قنديلها " كنت بافكر اوقف من نزيفي و ابطل اكتب تاني ، أول حاجة في المدونة كانت بشرى لغلقها و كنت باقاوم علشان اطير تاني و ابقى زي طير الرماد او العنقاء 
"اطفأت مدينتي قنديلها و أغلقت بابها أصبحت في المساء وحدها ، وحدها وليل " فيروز كانت يمكن تقصد بيروت لما قالت كده و أنا لما رددتها كنت باقصد غير 
و ما أشبه الليلة بالبارحة  
خمس سنين  و أنا لسه باسمع فيروز بتغني لبيروت 
خمس سنين و انا حاسس باقاوم انطفاء القنديل 
خمس سنين و انا بحاول الهرب من نفسي 
و الحرب مش خلصانة 

ايه يا عم النكد اللي انت فيه ده ؟ هي ناقصاك ؟ متشتغلناش و بص للنص المليان  
خلاص خلاص 
خمس سنين قابلت فيها اصدقاء حقيقيين و اخوات طيبين 
خمس سنين نشرت فيهم كتاب و شاركت فيهم في كتب 
خمس سنين و أنا باصحى الصبح اقول كده كفاية و هاطفي القنديل و بالليل الاقيني باكتب تدوينة 

انا باشكركم و متقلقوش هافضل قاعد على قلبكم و تخيلوا بقى واحد في وزني لما يقعد على قلبكم يبقى هتفطسوا أكيد زي ما قاومت خمس سنين هاقاوم خمسين سنة تاني 
مشاكل التدوين كتيرة ، لكن عدم التدوين موت

شكرا لموناليزا صديقتي العزيزة >>>>>>>> ده ينفع مطلع اغنية زي يا ست سامية يا احسن واحدة تقمع بامية
إنها فكرتني  رغم إني نسيت رغم اني كنت فاكر من عشر ايام  
زهايمر بقى 
كل سنة و أنتو أصدقاء حقيقيين 
كل سنة و انا باستمد منكم صمودي قدام نفسي 
كل سنة و انا باتعلم منكم
كل سنة و قناديلكم مزهزة مشعللة 
كل سنة و قناديلكم نبراس و سراج 

كل سنة و انتو طيبين بس محدش يقولي عقبال 100 سنة كفاية تقولوا عقبال ما نحتفل معاك باالعيد السادس لطير الرماد 

بالمناسبة هو طير الرماد ده بيعيش كام سنة في الطبيعي؟

------------------------
ملحوظة :  تقبل الهدايا فقط في حالة كونها شيء يؤكل اللي هيجيب ورد هارميه في وشه :)

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

بيني النحيل




صباح عادي مثل كل  صباحاتي اليومية ، المريب فقط في ذلك الصباح هو صوت والدي الغاضب الذي لم أظنه يغضب أبدا كان يزجر  الخادم (جورج ) الذي يعد لنا الطعام يوميا .
لم أتبين الحديث بينهما ، فقط أتنشق في الهواء  غضب أبي و أسمع تهديدا ما من جورج  ، أقلقني الصراخ فخرجت على أطراف أصابعي أراقب من خلف الدرج ردهة المنزل المعبق بالارستقراطية الانجليزية فوالدي  هو السير الشاب جرينهارت و منزلنا قصرا مزين بأثمن التحف ، لوحات جوخ و دالي و كلود مونيه هي حوائط جدرانه أما تماثيل المايا و بعض  التماثيل الفرعونية النادرة هي اثاثه.
أبي يبدو عليه القلق و عينيه المتسائلة تنتظر من ( بيني ) النحيل ذو العوينات الضخمة الذي يقوم بتعديل وضعها كل دقيقتين   إجابة ، كان بيني مطرقا في التفكير ثم قال :
-          ليس من الحكمة يا سيدي ألا تعير جورج  اهتماما ، يجب أن نأخذ تهديده على محمل الجد ، أعتقد  أنه يجب عليك أن تبقى بعيدا فترة ما حتى تنتهي المشكلة
-          و الأولاد ؟ أنت تعلم أنني لا أستطيع أن أبلغ الشرطة
-          سأرعاهم بنفسي  و أشهد الله أنني سأموت دونهم قبل أن يمسهم سوء
يبدو على والدي أن اقتنع بالفكرة  ذهب إلى البراد و أخذ منه زجاجة عصيره المفضل و وضعها مع بعض الكتب و الملابس في حقيبة يد حملها على كتفه و قال و هو يخرج :
-          إلى اللقاء يا بيني ، لن أوصيك على الصغار  ، مبدئيا سأترك لندن سأذهب لأخي في بريستول إن أردت شيئا ستجدني هناك
غادر أبي بينما تركني خلف الدرج يتصبب مني القلق عرقا ، بينما ( بيني ) بدأ في إعادة ترتيب المنزل و ألقى بنظره نحوي بالتفاتة غير  مقصودة منه ، دنا مني ثم ربت على كتفي و قال لي  :
-          لا تخف ، أنتم الستة  أمانة في عنقي حتى لو قتلت من أجلكم
دخل بي إلى غرفتنا حيث اخوتي ما زالوا يغطون في نومهم  تحسبهم جميعا واحدا و  لا تستطيع التفرقة بينهم ، كان أبي يقول هذه  عادة التوائم يولدون معا و يكبرون معا لذا هم متشابهون جدا لهذا لم يطلق علينا أسماء مختلفة بل أطلق علينا أرقاما ، أنا اسمي ثلاثة  نعم أبي أطلق عليّ ذلك و رغم ذلك لم يناديني وحدي قط بل كان يأمر بيني أن  يصفر لنا فنجتمع لديه جميعا ليلاطفنا و يداعبنا معا ، أوه كم أحبك يا أبي كرس حياته لنا بعد وفاة أمنا التي توفيت يوم ولادتنا ، كيف تستطيع أنثى أن تحيا بعد ولادة ستة معا ، هذا ما قصه علينا أبي قال لنا أنه كي يربحنا لا بد أن يكون لهذا ثمنا  ، فمن قال أن الحياة بلا ثمن هو بالتأكيد أحمق .
عاد بيني إلينا محملا  بأطباق البيض  الستة ، هذه أول مرة لا يقدم لنا فيها جورج الطعام ، لذا كان المشهد غريبا و بيني  الضعيف لا يستطيع حمل صينية الأطباق جيدا فصارت تترنح منه ، أهذا من سيحمينا  ؟
وضع بيني طبقا أمام كل واحد منا و راقبنا و نحن نبتلع البيض واحدة تلو أخرى كنا نعشق  ابتلاع البيضة دفعة واحدة  لسنا كأبي  الذي يقسم البيضة الواحدة قطعا عديدة ثم يأكلها قطعة بعد أخرى  ، حين انتهينا من الطعام و قبل أن نقوم شعرنا كعادتنا بأننا نريد التقيؤ فانسكبت العصارة الصفراء من  أفواهنا في الأطباق ، جمعها  بيني و هبط بهم الدرج و ابتعد
بدأ إخوتي في اللعب كالدوران بعضهما حول بعض كالقطار  أقف في المنتصف و يدورون  و نضحك و نلهو  طيلة اليوم إلا أن جلبة في الأسفل جعلتنا نتوقف  و نخرج إلى الدرج نراقب ما يحدث في ردهة المنزل .
إنه جورج ومعه شخص آخر تبدو على ملامحه القسوة ، شاربه يحدد تقسيمة فمه ، و عيناه صارمة ، كان ممسكا ب(بيني ) النحيل بينما جورج يوجه له اللكمات و هو يسأله :
-          أين ذهب جرينهارت ؟
بيني النحيل لم يجب رغم قسوة ضربات جورج ، بيني النحيل كان صلبا ،و نحن أعلى الدرج نشعر بالرعب ، سنقع فريسة جورج و صاحبه قريبا ، و لا ندري ماذا سيفعلان بنا .
إلا أن جورج توقف فترة عن الضرب ، ثم قال :
-          حسنا يا بيني ، أنت مغفل لا تفهم شيئا ، إن من تدافع عنه و تحمي صغاره هو من أوصلك إلى نحولك ذلك ، هو من جعلك خادما لهم و أنت منهم
البلاهة اعتلت ملامح بيني  بينما جورج  يفتح حقيبته و يخرج منها مرآة ثم قال ل ( بيني ) :
-          أنت لا تعرف ذلك الشيء ، فرغم  كل ما في القصر من فخامة و رقي إلا أن جرينهارت حطم كل مرايات القصر بل كل زجاجة و قارورة به منذ أمد بعيد  ، هذا الشيء اسمه مرآة حين أنظر إليها أرى وجهي ، بل و تعكس كل حركاتي أرفع يدي فيرفعها الرجل بالمرآة  أنزلها فينزلها الرجل بالمرآة  تعالى و انظر بنفسك .
اقترب بيني من المرآة ثم نظر فظهرت ملامح الرعب عليه هز رأسه يمينا و يسارا  ليرى انعكاسهما ثم صوب نظره بتساؤل يملؤه الخوف نحو جورج  لم يلبث جورج أن يريحه فقال :
-          نعم يا بيني  هذه حقيقتك  أنت مجرد ثعبان ، أنت من صغاره  أنت رقم سبعة ، و هذا يوضح لك جليا أنانية والدكم أو من يظنون أنه والدهم إن اردنا التدقيق ، جرينهارت الطامع توصل للسر في كتاب للمايا عن السحر الأسود يستطيع من خلاله أن يجعل الثعابين في هيئة البشر و أنت تعلم البقية ، تعلم كيف يستخلص منهم السم  لكي يصنع منه اكسيرالشباب الخاص به ،  كيف لرجل في السبعين من عمره مثله أن يكون في كل ذلك الشباب و الحيوية ، الثعابين تستطيع أن تغير جلدها بجلد وليد لذا فهي لا تكبر قط ، أنت وحدك تعرف يا بيني و عليك أن تجيبني كيف يصنع من قيء الأطفال  الإكسير .
بيني لم يجب فما زال مذهولا  لم يكن يعرف حقيقته رغم أنه كان يظن أنه يعرف كل أسرار جرينهارت ، و بسبب صمته توالت لكمات جورج و صديقه على وجهه و لكنه استطاع التملص منهم و  وجه فكه إلى عنق جورج و هم بعضه  فضحك جورج :
-          ما زلت غبيا يا بيني  ، أنت لا تفهم شيئا أنت من صغاره لكنك مختلف ، فأنت من عضضت زوجة جرينهارت و قتلتها ، لذا هو انتزع أنيابك منذ زمن  ، أنت لا تملك عصارة الأطفال لكنك صرت مختلفا عنهم بعد نزع  الأنياب منك صرت تنمو سريعا و وضحت عليك علامات الذكاء دونهم فصرت أقرب إلى بشري منك إلى ثعبان و هذا هو سبب هزالك
آثار الحقائق تصوغ ملامح بيني الغاضبة  ، جورج لا يفهم  كيف يمكن أن يتحول الثعبان إلى شيطان حين يغضب ،لم يفهم ذلك إلا حين وجه له بيني لكمة غاضبة  فأسقطته و قبل أن يعتدل ، كان بيني يصفر ، فركضنا نحوه ، لمحت في عينيه نظرة غريبة شعرت بها تخترقني كأنه يقول لنا لا تخافوا أقسم أنني سأرعاكم ،  ثم أشار لنا  نحو جورج  و قام بعض الهواء فهمنا مغزى إشارته يريدنا أن نعض جورج  ، تكاثرنا على جورج  نحن الستة  قمنا بعضه في وجهه و بطنه سمعناه يصرخ و نحن لا نتركه .
بينما صديق جورج القاسي ضرب بيني على رأسه ضربة قوية بواسطة عصا حديدية  ، اسقطته في غيبوبة في الحال بينما هجمنا على الرجل الضخم  ستة أطفال ليس لهم قوة إلا في أنيابهم  فيسقط الرجل الضخم بجوار جورج و بيني
اقتربنا من بيني الذي صارت أنفاسه الحارة التي تلفح وجوهنا تتابع في بطء شديد هم أن يقول شيء ما لكنه لم يستطع فقط مد ذراعيه حول أجسادنا في حنان  قبل أن تصمت انفاسه للأبد
بينما نحن لا نفهم شيئا من كل ما حدث رغم أننا رأينا كل شيء  بأعيننا ، جلسنا على الأرض بجوار بيني نهزه نحاول إيقاظه دون جدوى  بقينا على حالنا هذه أيام ، لا نفهم شيئا الروائح الكريهة تملأ المكان و أمعاؤنا تتلوى جوعا لم نلهو كما كنا نفعل .
أيام عصيبة مرت قبل أن يعود أبي  ، كان يبدو عليه الوهن في ذلك اليوم إلا أنه حين عاد و رأى الجثث الملقاة نظر نحونا  ، شعرنا به متوجسا منا ، أبي لا تخف إنه نحن ، أبناؤك
حين تأكد أننا لن نؤذيه  دفن الجثث و أعادنا إلى الفراش ، و اعتنى بنا حتى كبرنا ، لم نر في الكون أحدا سواه بعد ذلك لم يسمح لأحد أن يلوث قدسية قصرنا ، حتى يوما لم يصحو فيه انتظرناه يطعمنا دون جدوى ، الجوع يعصف بنا ، أبي استيقظ
جسده بارد  ، رائحته صارت كريهة  تذكرنا برائحة جورج و صديقه ، حينها قررنا الخروج بحثا عن طعام ، ما إن خرجنا من القصر و رأينا الشمس حتى شعرنا بشيء مختلف يملأ حواسنا إلا أننا لم نشعر بالغربة بين البشر فكلهم مثلنا  لا يستطيعون السير في خطوط مستقيمة مثلنا ، كلما نقابل أحدهم نشعر بالألفة معه نجد أن له أنياب و يقيء سماً  حتى نظن أنه رقم ثمانية ، إلا أنه يشيخ بعد فترة فننفر منه ربما لهذا أحببنا ابي جرينهارت لأنه منا لأنه لا تصيبه الشيخوخة قط  ، عشنا عمرا مديدا في عالم كان يرحب بنا و يمد لنا ذراعيه استطعنا رغم غبائنا أن نتصيد فرائسنا فيه بسهولة ، إجادتنا للسير في كل الطرق الملتوية جعلتنا ذوي نفوذ .
و في إحدى الأيام رايتها  كانت ترتدي تنورة بلون الورد و جنتاها يقطر منها العسل ، نصبت حولها فخاخي تزينت ، اقتربت منها  حتى صارت زوجتي أنفاسها زفرات سم تخدر عقلي فنسيت وصية أبي  و أنا أعضها  في جيدها من فرط النشوى دون قصد مني .
 لم أكن أعلم أنني أستطيع البكاء إلا حين همست لي و هي تلفظ أنفاسها بين ذراعي : " من أنت ؟ " حقيقة لا أعلم يا حبيبتي كل ما أعلمه أنني سأحيا شابا  رغم قلبي الذي تقتله الشيخوخة كل لحظة الآن عرفت لماذا يموت البشر ، انضممت لأخوتي و قصصت عليهم خبرتي قررنا الانعزال عن العالم هجرنا الأرض للقصر نصطاد الفئران لنقتات ، كرهنا البشر و صرنا نمقت أنفسنا  معهم ،  و كل ما خبرناه أن في حياتنا المديدة لم يكن هناك إلا رجلا واحد فقط  يعرف كل شيء رغم أنه لا يفرز السم و لم تكن له أنياب لذلك لم يحيا طويلا هو بيني النحيل ، و لهذا أنتِ لم تعيشي طويلا حتى تشيخي  يا ماري 

الجمعة، 8 فبراير 2013

حمص سخن .. بليلة سخنة



حاملا مسطرته ذات الجراب الأزرق و قدمه تصطدم بحقيبته الملقاة على الأرض و خلفه لافتة رخامية نحت عليها بالخط (الفارسي ) كلمة ( أسيوط ) ، كان ينظر إلى آخر الرصيف يترقب القطار القادم الذي سيعود به إلى بلدته ، لكنه تأخر كثيرا عن ميعاده  لذا ظهر على ملامحه التوتر و الترقب و على أذنه التنبه حتى يمسع ممن حوله أي خبر مطمئن  عن قدوم القطار فتناهى إلى مسامعه حديث شخصين على مقربة منه كان أحدهما يقول :
- بيقولك القطر خربان في العياط
- و هو في حاجة مش خربانة في البلد دية ,  كل حاجة واقفة ، الاسبوع اللي عدى كنت في مصر خدناها من مدينة نصر لرمسيس في اربع ساعات و عربيتنا تحت يدنا أومال لو مش معانا عربية كان إيا اللي حصلنا؟
- ما هو اللي عايشين في مصر عارفين الحقيقة علشان كده  دلوكيتي سابوا عربياتهم و بقوا بيروحوا كل مشاويرهم على رجليهم في ( مسيرات )
ضحك الرجلان على النكتة التي لم تضحكه رغم أنه خبر ما تعني فكل ما كان يقلقه هو موعده و العطل بالعياط التي تبعد ساعات عديدة عن اسيوط يعني تأخرا مضاعفا له ، لم يفكر في البحث عن وسيلة أخرى للوصول لمنزله فقط انتظر ، حتى أضاء أول الطريق ضوء خافت لقطار يتهادى ، كأنه يقدم عجلة و يؤخر أخرى كمن هو قادم نحو حتفه ، نوافذه اصابها السرطان فصارت كأنها عيون بائسة تراقب بائسين .
هييء لنفسه مقعدا و جلس دون ان يلقي بالا لمن بجواره ، القطارشديد البرودة كأنه ثلاجة للموتى ، التكييفات تقوم بعملها بكفاءة قاتلة 
صار يدلك ذراعيه بكفيه لعله يبعث في نفسه الدفء ، إلى أن رأى دخانا بلون الرماد يتصاعد من فوق كتف أحدهم يحمل مقطفا عليه ، ذلك المقطف تظلله بعض الأوراق على حوافه ، كان البؤس رفيق تجاعيد وجه البائع و الطين يطبع آثاره على أصابعه و صوته الأجش أقوى من كل محركات القطار و هو يقول :
- حمص سخن ، بليلة سخنة
لم يغريه النداء  ، و لم يرهبه تلوث يد البائع أو صوته الأجش ، كان قانونه الداخلي ينص على أن كل بائعي القطارات مخادعين , لكن البرد كان أكثر فتكا من الخداع ، و دخان الرماد يبعث في النفس دفئا حتى و إن كنت بعيدا عنه ، لذا قرر أن يخوض التجربة و أخرج زوجا من الجنيهات ، ذلك الزوج لن يشتري له مصباحا يضيء غرفته و لن يشتري له كتابا يؤنس وحدته كل ما يشتريه هو بضع حبات من الحمص
- هاتلي باتنين جنيه
مد البائع يده الحرة للمقطف و أخرج من جانبه ورقة وضعها في يد المشتري ثم لم يلبث أن يمد  يده المتسخة للمقطف و يقبض بها على حبات  الحمص الساخنة و يضعها بالورقة ثم يمضي
بينما هو صار ينظر إلى الحمص و عينه تلمح بيت شعر على ورقة الحمص يقول :
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني و الحب يعترض اللذات بالألم
لم يهتم و ظل يلتقم حبيبات الحمص و يرميها بجوفه ، لكنها كانت تصل لجوفه باردة ظن أنه خدع و ما ان  فكرمش الورقة و كورها و ألقاها في السلة المعلقة على المقعد الذي أمامه ، و ما قطع حنقه هو صوت ياسين التهامي منبعثا من هاتف نقال و هو يقول : يا ملهمي من أنت ، أنت تعرف من أنا ... لم يكمل ياسين القصيدة فصاحب الهاتف النقال أخذ يرد ، و صوته يشتد و هو يصيح :
- ايوة اعمل فيها الهلالي مانت بعيد و البعيد عن العيطة شديد ، بقولك رحتله و عديت عليه و مرضيش يديني الفلوس
لم يوقف صياح الرجل إلا صياح بائع الحمص و هو يعود لذات العربة هنا وقف هو صائحا :
- إنت يا بتاع الحمص تعالى  ، انت بتضحك عليا الحمص بتاعك بارد
- كيف بارد يا استاذ انتا مش شايف الدخانة؟
- ماليش دعوة كل ما احط في خشمي واحدة منه  بالاقيها باردة
- لو حطيت نقطة مية سخنة على لوح تلج هتعمله حاجة؟
لم يتمالك الطالب نفسه فاندفعت يداه بقوة لتلابيب جلباب الرجل النيلي ذي خطوط زرقاء
- إنتا قصدك إن أنا راجل بارد ؟  إنت قليل الأدب و مش مرباي
- يا بيه مش قصدي بس الجو برد قوي بلاش تاكله واحدة واحدة  ، اشتري أكتر و حط في جوفك اكتر
فكر , ماذا يمكن أن تفعل خمسة من الجنيهات؟ ربما تستطيع شراء مصباح ينيرله الطريق لكنها لن تشتري له عينا يرى بها نور المصباح ، كل شيء بخلاف  صحته هو رخيص و عليه أن يصون نفسه من البرد ، أخرج الخمس جنيهات و نقدها للبائع الذي أعطاه ورقة من المقطف و وضع عليها الحمص الذي امتزجت فيه حبات سوداء مع الصفراء ، لمحت عيناه بيوت من الشعر تقول :
و النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع و إن تفطمه ينفطم
و اصرف هواها و حاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
اختلطت حبات  الحمص بالطباعة السيئة  للأبيات و هو يلتهمها بلا رحمة ، قبل أن يظهر عليه الغضب و هو يصيح :
- تاكل ابوك يابن الكلب يا حرامي برضه الحمص بارد
هنا تعالت ضحكة أنثوية غنجة  كانت تلك اول مرة يلحظ أن المقعد الذي بجواره تجلس عليه أنثى رائعة تحمل في يديها بعض الكتب التعليمية ، ما إن رآها حتى تطايرت منه الألفاظ السوقية باللهجة الصعيدية الخشنة ، ليتبدل حرف القاف لديه بالهمزة , و الجيم العطشى بالقاف الصعيدية ، بينما حذف من معجمه الجيم المتعطشة للندى الممتلئة بالغلظة ، و استبدل وجهه المحمر بالغضب بوجه أحمر بالخجل  و قال برقة :
- تتفضلي حمص ؟
كانت هي أيضا تتصنع الرقة و هي تقول :
- ميرسي ،  مبحبوش
- ليه ؟ ده جميل على فكرة كمان بيشيل النكد ، لي أخ كل ما يلائي نفسه مخنوء  و متضايئ  يقول ل(ماما) اعمليلي حمص علشان يزيح الغم
ضحكت ضحكتها الغنجى فما كان منه إلا أن اقترب منها أكثر و هو يقول :
- هو انتي منين؟
- سوهاج و انتا
- طهطا ، و في كلية هندسة و إنتي؟
- حئوء
- بس بتوع حئوء  مبيحضروش إيه اللي موديكي؟
- علشان الحذف
- الدكتور حذفلكم كتير؟
- آه حذف الحئوء المدنية و حئوء الانسان و سابلنا تلات صفحات هنمتحن فيهم  مفيهمش غير الخلع
- أكيد كلكم بتنقحوا ( القاف = جيم صعيدية لا تنسى إنه يتكلم بلغة أهل القاهرة )
- و لا الهوا كلنا بنسئط برضه
- هو أنتِ في المدينة الجامعية؟
- لا آعدة عند خالي في  النميس , و إنتا؟
- أنا مع اصحابي في الميدوب ، على بعد خطوة  من العالم التاسع (الئيصرية )، أسيوط دي غريبة خطوة واحدة بتفصلك عن عالمين
صار يحدثها عن القصيرية ، عن ضيقها و ازدحامها عن الرجل لا يرى موضع أقدامه ، فتحدثه عن النميس عن الهدوء و النظافة عن الشوارع التي توحي إليك أنها خالية من فرط اتساعها
صار يحدثها عن القصيرية حيث الكتب تباع بالكيلو و الباعة الجائلين على سيماهم الهم ، و السيدات يتشحن بسواد و على صدورهن أطفال لا يجدن فيها لبنا ، فتحدثه عن النميس عن بداياته حيث مسجد ناصر محتضنا كنيسة الملاك ، حيث القصور العتيقة المعبقة برائحة التاريخ   و في نهايته حيث تمثال أم البطل
قال لها :
- النميس و الئيصرية عمرهم ما هيتلائو  بس احنا هنشوف بعض مش كده ؟
- أكيد
- طيب بصي انا مش هاقيلك حئوء و لا إنتي تقيلي هندسة إحنا نتئابل في أرض محايدة ، الخميس القاي  نروح معرض منتقات كلية الزراعة بيعملوا هناك بليلة باللبن و المكسرات تاكلي معلئتك وراها  ، بيس؟
- بس اللي أعرفه ان المعرض ده اتلغى من سنين و بطلوا يعملوا بليلة
- كيف يعني؟ دانا لسه واكل منـ....  ( قالها بالصعيدية فلم يستطع أن يتحكم في لهجته و هو متعجب)
لم تستطع أذنه أن تستمع لما يقوله لسانه فالضوضاء تشتد من حوله داخل عربة القطار و الصداع يزداد و المشاهد المرعبة تصيبه بالعمى
يا ملهمي من أنت أنت تعرف من أنا ،  أنا راجل بارد !! دخان الرماد ، الحب يعترض اللذات بالألم ، حمص سخن بليلة سخنة ، إنت قليل الأدب و مش مرباي ، مفيهمش غير الخلع ، البعيد عن العيطة شديد ، بيروحوا مشاويرهم في مسيرات ، النفس كالطفل ،خطوة بتفصلك عن عالمين ، عيون الزجاج المسرطنة
 الصداع يشتد يغمض عينيه و يصرخ فيفتحهما
ليجد نفسه مازال في القطار لكنه ليس نفس القطار  و ليس نفس الزمان ، ينظر بجواره فلم يجدها بل وجد رجلا آخر و ينظر تجاه النافذة من زجاجها المتهتك هناك حيث الشمس تقاوم عمودا خرسانيا لتظهر من خلفه إلا أن سرطان الزجاج و الأسياخ الحديدية للعمود يظهر كأن الشمس حبيسة يتذكر أن أعواما مضت منذ كان في الجامعة باسيوط والآن هو في طريقه للعودة من القاهرة فيتوجه بالحديث للرجل بجواره   
- هو احنا فين ؟
- في العياط
- ليه القطر واقف ؟
- مش عارف ناس بتقول  في اضراب و ناس بتقول بيصلحوا السكة و ناس بتقول في قطر عطلان قدامنا بس بصراحة حاسس ان  قطرنا هو الخربان

يخرج هاتفه النقال و يتمنى أن يكون تحت تغطية الشبكة و ألا يصبح خارج التغطية كأمور كثيرة في تلك البلد ، ضغط على الأزرار  و سمع صوتا أنثويا من الجهة الأخرى فقال :
- أمّاه , متخافيش القطر هيتأخر شوية ،يمكن أكون عندك العصر عاوز اقولك بس إني بحبك قوي يا أما  و عاوزك تعمليلي حمص على الغدا علشان نفسي أفرح
قالها و أغلق الهاتف بينما القطار بدأ في السير بتؤدة مرة أخرى نحو مثواه الأخير
----------------------------------------------
القيصرية و النميس : منطقتين بأسيوط
البعيد عن العيطة شديد : مثل يعادل اللي إيده في المية مش زي اللي ايده في النار
البوست باللهجة الصعيدية  لذا حاول أن تقرأه بالصعيدي
هذا البوست اهداء لصديقي ابراهيم رزق 
---------------------------------------

أشكر كل من شرفني بالحضور في حفل توقيعي ، و من لم يحضر لا يعتذر فقط كنت أتمنى من رؤية الجمع الطيب 
كانت ليلة رائعة شاركتني فيها صديقتي و زميلة الصيدلة و المعطف و الأبجدية و الصندوق الدكتورة شيرين سامي ، استمتعت بالنقاش الراقي حيث تحدثنا عن أحوال الأدب و النشر و تطرقنا بالحديث عن الرمزية و الفارق بين القصة القصيرة و الرواية و الفارق بين النشر الجماعي و النشر الفردي ، و عن الفارق بين الأقلام النسائية و الرجالية  ، تطرقنا للحديث عن ذاتية الكاتب و كيف تشعر بوجودها ، تحدثنا عن أحلام لعالم ورقي نظيف بعيدا عن دور النشر المتربحة ، عن الكتابة الصعيدية و لماذا اخترت الرمز 
تحدثنا كثيرا جدا حتى أننا انتهينا من الحفل في حوالي العاشرة  ، بالرغم أن قطار العودة كان ميعاده في الحادية عشر و الربع إلا أنني لم استطع اللحاق به من القاهرة لكنني استطعت اللحاق به في الجيزة 
اشكر كل من شاركني الحفل و اخص بالذكر و ليس الحصر  و بدون ألقاب فليست هناك ألقاب تفيكم
الادارة الراقية للحفل من محمد فاروق الشاذلي حتى تشعر أنك أمام محاور مبدع يفهم كيف يوجه دفة الحديث (زي ما بيقولوا الحكم كان لاعيب كورة اقول  من اسباب جمال الحفل ان المحاور مبدع و قاص )
الاستاذة منى ماهر  كانت ارائها و قرائتها للكتب جيدة جدا كما أنها سلطت الأضواء على بعض النقاط التي جعلتنا نستطيع  أن نتوغل في الحديث إلى ما بعدها 
محمد الوكيل الذي تحدث عن تجاربه في الكتب الجماعية  تشرفت بمعرفته رغم رحيله المبكر فقد أتى من طنطا خصيصا
الرجل الذي أتى متأخرا  محمد الجيزاوي و اشكره بصفة شخصية على حديثه الرائع بالامس عن كتابي و عن طريقة السرد لدي 
الناشر  فتحي المزين و دفاعه عن دور النشر رغم عدم اقتناعي  بما قال و ساظل اقولها دور النشر هي السبب في كساد الحركة الأدبية 


كانت حقا زمرة طيبة  سعدت بلقاء مفاجئة الحفل شموسة التدوين شمس النهار اللي أحالت ظلمة ضوئي الأسود إلى سراج منير 
بهاء طلعت ذو الوجه الصبوح  ، قد تختلف معه فكريا إلا أنك لا تستطيع إلا ان تقول أنه يحمل نورا بين عينيه 
ريم سعيد مش هاقول غير ان الشيكولاتة اللي جبتيها مالهاش حل ، دي منين بقى؟  بجد أسعدتني طلتها الرقيقة و شيكولاتاتها اللذيذة 
غادة محسن الراقية الهادئة زميلة النوافذ و الأبجدية و الصندوق 
غادة قدري  أيضا تشرفت برؤيتها لأول مرة و هي صاحبة مجموعة قصصية بعنوان المغتربة 
نهى الماجد زميلة الأبجدية و الصندوق و النوافذ تلك الكاتبة التي تحمل مستقبلا أدبيا زاخرا 
تشرفت ايضا برؤية المبدعتين غادة محمد و رباب محمد رغم رحيلهما المبكر  من الحفل كنت أتمنى أن نحظى بوقت أطول 
و لا ننسى الرائعة فاطمة عبد الله التي استضافتنا لديها في الراديو و التي أصرت أن نسمع شعرالدكتورة شيرين  ، اشكرك يا فاطمة فالشعر المسموع  يمنح احساسا اقوى من المقروء   
كما اشكر الصديقة دينا ، و هناك كان اشخاصا لم اتشرف بمعرفتهم لرحيلهم المبكر اشكرهم ايضا كثيرا على الحضور 
أما ساليناز  فاتمنى ان يكون الجلاب أعجبها ، ذلك الجلاب الذي حين رأته شموسة  قالت  إيه ده قلة ؟  ( تسييح تسييح اهوه يا شموسة )

أما الصديقان  ابراهيم رزق  و اسامة الأزهري فلن تفيكم كلماتي  ( انتو عارفين بقى اللي في القلب ، و انت بالذات يا ازهري فين الشيكولاتة ؟ ) 

شكرا لكم كانت ليلة من ألف ليلة